[email protected]
ونحن نمشي في طرقات الحياة مرة نضحك وأخرى نبكي!
مرة نكسب ومرة نخسر!
مرة ننجح وأخرى نفشل!
وتظل الناس تناقش هل هذا رزق أم حظ أم قدر؟
ومفردة رزق قد تكون من أكثر الألفاظ المتداولة بين البشر وأكثر المواضيع الحساسة في حياة الناس، وللعلم لا يرتبط الرزق بالمال فحسب، بل يرتبط بكل مناحي الحياة التي يحتاج إليها الإنسان مثل (الصحة، الزوجة الصالحة، العمل الصالح... إلخ).
وفي هذا الأمر تُرجع الناس هذا الرزق إلى الرزاق وهو الله سبحانه وتعالى، والآيات والأحاديث الشريفة كثيرة: (قل إن ربي يبسط الرزق لمن يشاء من عباده ويقدر له وما أنفقتم من شيء فهو يُخلفه وهو خير الرازقين).
هناك قلة يتمسكون بالأسباب الجالبة للبركة والرزق مثل تقوى الله عز وجل وشكره على آلائه.
ومن خبرة الحياة، علمنا أن الرزق ليس محصورا في المال فقط، بل هو أرزاق مثل: (رزق الإيمان والعلم والحكمة والصحة والذرية الصالحة والأثر في محبة الناس لك).
أما الحظ؟
فكما قال الشاعر:
«إن قام حظك باع لك واشترى لك
وإن نام حظك لا شرى لك ولا باع»
والحظ هو النصيب والبخت والفوز وتوافق الأمور كلها لك وتناسبها!
وحُسن الحظ جالب للسرور والفرحة والسعادة، والبعض (يعوزه لضربة حظ)!
أنا متيقن أن (الحظ قضاء وقدر) وهو محكوم من الله عز وجل ولا يحصل لأي إنسان من خير أو من شر إلا إذا كان مقدرا له في سابق علم الله سبحانه وتعالى.
وهناك بعض المبتلين بالحظ العاثر.. «الله يعينهم».
قال الشاعر:
إن حظي كدقيق بين شوك نثروه
ثم قالوا لحفاة يوم ريح اجمعوه
صعب الأمر عليهم قال قوم اتركوه
إن من أشقاه ربي كيف أنتم تسعدوه
لقد ترسخ مفهوم الحظ في حياتنا من خلال القراءة والشعر والأدب والحكايات والأمثال الشعبية، قالوا: «أعطني حظا وارمني في البحر»!
باللهجة الكويتية نقول: «حظه يفلق الصخر»!
هذه كلها أمثال ومقولات وأساطير شعبية دخلت الأذهان واستحكمت بالنفوس، وبعض الناس يجعل من (الحظ) قدرا يرسم مصير الإنسان بعيدا عن إرادة الله سبحانه وتعالى وتخطيطه، وهذا أمر مرفوض لصاحب الفطرة السليمة لأننا نحكم هذا الكون (خارج إرادة الله) وهذا لا يجوز من خلال ربط الحظ بالحظ نفسه بعيدا عن الإرادة الإلهية وهذا بعيد عن المنطق، قال تعالى (إنا كل شيء خلقناه بقدر) القمر 49.
إن الذين يصابون بالفقر والمرض والاستبداد هم واحد من اثنين، الأول يؤمن بأن هذا كله حظه ونصيبه المكتوب في الحياة، أما الآخر فهو يرى الأمر على أساس في نفسه من العلم والفلسفة ويرى أن الكسالى فقط هم الذين يتشبثون بمفهوم الحظ لتبرير فشلهم وتقاعسهم وتقصيرهم ونحو هذا من تبريرات تحذيرية!
أما الذين يوعزون الأمر كله لله عز وجل ووجوب الإيمان بالقدر خيره وشره وأنه من القدير الله تعالى للكائنات حسبما سبق به علمه واقتضته حكمته.
وأوجز لكم معنى (القضاء والقدر) بمعنى ما قدره الله بعلمه وقدرته وأن الله قدر كل الأشياء في سابق علمه، وعلم مقاديرها وأحوالها وأزمانها قبل أن يوجدها، ثم أوجد منها ما سبق في علمه أنه يوجده على نحو ما سبق في علمه، فلا يحدث حدث إلا بعلمه وقدرته وإرادته والمخلوق لا يقدر على شيء إلا بعلم الله وقدرته وإرادته فلا حول ولا قوة إلا بالله، قال تعالى: (والله خلقكم وما تعملون) أي أنه خلق العباد وخلق أفعالهم ولا أحد سواه يخلق ذلك، وقد كلف الله الإنسان وأرسل الرسل مبشرين ومنذرين ووعد (الطائعين) بالثواب و(العصاة) بالعقاب.
قدر الله كل الأشياء وخلق الخير والشر، فكلاهما بقدر الله كما يريد، قال تعالى: (وكان أمر الله قدرا مقدورا) - (وليقضي الله أمرا كان مفعولا).
قال رسولنا محمد صلى الله عليه وسلم: «واعلم أن ما أصابك لم يكن ليخطئك وما أخطأك لم يكن ليصيبك» - وإن أصابك شيء فلا تقل: لو أني فعلت كذا وكذا، ولكن قل: قدّر الله وما شاء فعل - كل شيء بقدر حتى العجز والكيّسُ.
إذن، علينا جميعا وجوب الإيمان بالقدر خيره وشره من الله وأن الأمور كلها بتقدير الله تعالى.
ومضة: تبقى بعض النفوس البشرية بما يخص عقيدة الإيمان بالقدر (كثيرة الاعتراضات) وتثير الشبهات وهو الانحراف الفطري عن منهج الله في خلقه، فعلم الله الأزلي محيط بكل شيء ومما سيكون ولا يخرج شيء عنه.
الله عز وجل حرّم على نفسه الظلم ونفاه في كتابه، وقد ذكر القرآن الكريم أن الله لا يظلم الناس شيئا في سورة يونس 44، وهو لا يظلم مثقال ذرة، وهو لا يكلف نفسا إلا وسعها، ولم يكلف الناس ما لا يطيقون، وقام بإرسال الرسل والأنبياء وأنزل الكتب وبهذا أقام (الحجة الرسالية) على البشر ولا تعارض بينها وبين القدر.
آخر الكلام: في ديننا الإسلامي وشريعتنا الغراء نرى أن هناك أسبابا جالبة لكل أنواع الرزق مثل:
- الابتعاد عن الذنوب والمعاصي والغيبة والزنا والقمار والربا.
- صلة الرحم تجلب الرزق، لقول الرسول صلى الله عليه وسلم: «من أحب أن يُبسط له في رزقه ويُنسأ له في أجله فليتق الله وليصل رحمه».
- الصدقة، وهي من أهم الأبواب التي تؤدي إلى جلب الرزق وتكثره وتنميه.
زبدة الحچي: سيبقى الحوار والنقاش والاختلاف باقيا في هذه القضية الشائكة، فالأكيد هناك من يرفض بعضا من هذا وذاك ويصرّ على رأيه، والبعض الآخر للأسف يصل الى الإلحاد.. وهنا فقط نتوقف لندعو له عسى الله أن يهديه ويفتح على بصيرته.. موضوع صعب جدا الكتابة فيه!