[email protected]
التمريض واحدة من (المهن الشفافة) التي تهتم بالمريض وأهل الكويت يقولون: «نيرس» وهي مهنة ورسالة سامية أراها من أشرف المهن في التاريخ البشري.
في تاريخنا الإسلامي برزت (رفيدة بنت كعب الأسلمية) كأول ممرضة في صدر الإسلام، حيث كانت تمرّض المصابين والجرحى في الحروب التي يكون المسلمون طرفا بها.
ويذكر أن أم المؤمنين عائشة، رضي الله عنها، وعددا من الصحابيات مارسن هذه المهنة الجليلة، كما برزت الربيع بنت معوذ التي تطوعت بسقاية الجيش ومداواة الجرحى، وأيضا حمنة بنت جحش التي تطوعت في معركة أحد، فكانت تسقي العطشى وتداوي الجرحى.
وهناك أيضا أم سنان الأسلمية التي تطوعت في غزوة خيبر وقامت بدورها متطوعة لتداوي الجرحى. وقد تطور دور (الممرضة) عبر التاريخ لتصل حاليا إلى الدور السامي في تقديم الرعاية الصحية الشاملة للمريض، وهي بهذا الأقرب لدور الطبيب في سير المنظومة الصحية مما جعل كثيرا من الجهات الحكومية والخاصة تهتم بتطوير هذه الفئة لتصل إلى درجات متقدمة ومحترفة من الأداء المهني.
ولعل بريطانيا تتفوق في هذا الجانب الإنساني وهذا أيضا انتقل إلى المفاهيم الغربية الأوروبية للتمريض الذي ارتبط أولا بحركة الجيوش الفاتحة ثم المسيحيين الكاثوليك والرهبان، وفي سنة 1853 أنشأ ثيودور فليديز مستشفى وعين به (الممرضات ذوات الأخلاق العالية) ثم تبعاً لهذه المبادرة قام المعهد البريطاني بتشييد معهد مشابه وضعت فيه أسس التمريض الاحترافي، وكان الهدف هو تحسين الظروف الصحية للعسكريين خلال الحرب.
أما تاريخ التمريض في الكويت فإنه تاريخ مشرف، ففي 1939 ظهرت أول ممرضة كويتية وهي العمة عائشة الجمعة، زاولت مهنة التمريض وكانت تعالج المرضى من دون دراسة وإنما بالممارسة، وقد كنت شابا صغيرا عندما (شفتها أول مرة في بيت أخوي وصديقي في المعلمين «سلطان» رحمه الله وطاب ثراه ومثواه بالدعية ومرات كثيرة في بيتها بالدسمة) رحمة الله عليها (طيبة وكريمة ومتواضعة) الله يرحمها وزوجها محمد صديق إذا ما خانتني الذاكرة.
كما أتذكر أننا شفنا الأخت مريم الرقم كأول ممرضة مارست المهنة عام 1966 وعملت بالخبرة، ولا ننسى أبدا أدوار أختنا شيخة المذن، مديرة معهد التمريض، التي قدمت جهدا وطنيا لإبراز هذه المهنة وكانت لها جهود لا تنكر مع أخواتها الأخريات اللاتي سبقنها في هذه المهنة.
ومضة: الممرضة جندي مجهول، هذه حقيقة، وعلينا في الدولة أن نولي هذا القطاع اهتماماً أكبر لـ (تكويت) هذه المهنة الإنسانية، وأن نكرم (الأموات والأحياء) الذين عملوا على إبراز هذه المهنة من خلال عملهم أولا والأثر الذي تركوه وهي مهنة (إنسانية) بجدارة.
آخر الكلام: في الكويت يبرز (اللون الأبيض) في لباس الممرضات لكن في بعض الدول يُستخدم اللون الأزرق الفاتح كما في بريطانيا وأميركا، والأبيض يعني الصفاء والسماحة والنقاء، كما أن بعض الدول مؤخرا استخدمت اللونين (الوردي) والكحلي، وكلاهما يعبِّر عن المسؤولية.
الله سبحانه يعينُ كل ممرض وممرضة يقومان بواجبهما تجاه المريض في همة عالية وابتغاء الأجر من الله عز وجل، وتحليل الراتب، وتنفيذ إرشادات ومتطلبات الطبيب، وكثيرا ما حاز الممرض أو الممرضة ثناءً من أسرة المريض أكثر من الطبيب المسؤول!
زبدة الحچي: مكان صحي في مستشفى وطبيب مختص ناجح لا يغنيان أبدا عن دور (الممرضة)، ولربما هي الأساس في نجاح كل شيء، لأنها (النمط) الذي يقوم عليه العلاج وثقة المريض وأهله تبدأ من ثقتهم بالممرض أو الممرضة التي (تحوف) المريض، وهذا نصف العلاج!
أيها الآباء والأمهات (التمريض) من المهن المنسية في السلم الاجتماعي، ويجب ألا ننظر لها بدونية أبداً لأنهم والله أصحاب رسالة إنسانية عظيمة، وكثير من أولياء الأمور يتعللون بعزوفهم عن تشجيع «عيالهم» للالتحاق بهذه المهنة، لأنها شاقة وفيها مسؤولية وسهر ليلي، وأرى (أنا) السهر الليلي يجب أن يكون مقابله حوافز تشجيعية!
لنبدأ بالنظرة للراتب «ويُعدّل» والحوافز «تُقرّ» وتُرفع نسب القبول بعد هذه التغيرات لوضع هذه (المهنة) على سلم (الأولويات)، وربط الشهادة بالدراسة الأكاديمية للحصول على أعلى الشهادات بدل الدبلوم، خاصة أن الكويت قادمة على توسع كبير في المستشفيات (دهنّا في مكبتنا)، ولنبدأ بفتح كادر هذه المهنة ولنشجع عيالنا للالتحاق بهذه (المهنة السامية)، فالتمريض اليوم يمثل (رسالة إنسانية) في مجتمع متحضر لا يقتصر على بناء المستشفيات وتخريج الأطباء (هذا شيء نفخر به)، لكن علينا أن نوازن في استقطاب المهن الأخرى وعلى رأسها مهنة التمريض.
تحية تقدير لكل ممرضة على أرض الكويت وهن من جنسيات مختلفة، كويتية كانت أو عربية، أو من أي جنسية، مشكورين و«بيّض الله وجيهكم وما قصرتوا».. والله يستحقون التحية والتقدير في الكويت عاصمة الإنسانية في عهد أميرنا العود بوناصر الله يطول في عمره يحفظ كويتينا من كل شر « قولوا آمين يارب العالمين».