[email protected]
في زمن العولمة وزحمة الأحداث وبروز المهن المالية والإدارية والتخصصية، تدنت (مهنة المهن) وغاب صانع الأجيال!
قال أمير الشعراء أحمد شوقي رحمه الله: قم للمعلم وفه التبجيلا كاد المعلم أن يكون رسولا
كان صاحبنا (المعلم) الذي انتقل الى رحمة الله وتراجعت مكانته من السلم الوظيفي إلى الدرك الأسفل الى القاع، وصار صفرا في سماء المهن البراقة.. كان يحظى بالسطوة والبروز والمكانة الاجتماعية العالية في (جدولة المهن).. إنه المقبور (المعلم)!
قال الشاعر:
حسب المعلم أنه من روحه
يبني صروح الروح والعرفان
المعلم اسم فاعل لفعل علم، غير أن الواقع صار (شايل الهم) لمهنة صارت (وظيفة) وجسرا لمن هب ودب للأسف!
يقول الإمام الغزالي رحمه الله: التربية والتعليم أفضل وأشرف وأنبل مهنة بعد النبوة!
واليوم صارت مهنة من لا مهنة له وصار (المعلم موظفا) يعد أياما ليقبض راتبا! وغاب ذاك صاحب الرسالة الذي لديه (ستة أصابع) أحدهم (طباشيرة بيضاء بياض قلبه) يكتب بها على السبورة خبر (وفاته) حاليا إلى غير رجعة بعدما دنت مكانته وصار في ذيل القائمة وراحت الهيبة والبريق!
سألني أحد الإعلاميين: بومهند هل أنت تعتز بما وصلت إليه في الإعلام؟ أم بتاريخك المهني كمعلم ومربٍّ ونقابي؟
ضحكت ولم أتردد بأن أرد عليه حالا: لا طبعا اعتز أنني كنت (معلما) وعندي (عصاة) اسمها (عزيزة) ويعرفها جيل كامل تخرج من منطقة (القادسية) منهم الدكتور والمحامي والسياسي والكابتن و.. و.. و.. وكلهم كلما التقيتهم في طرقات الحياة وجدت فيهم التوقير والاحترام، وأنا أحبهم وأعتز بأنني كنت في يوم من الأيام معلما لهم وهو من أجمل إنجازاتي وذكرياتي.
إن طبيعة مهنة التدريس والتعليم تجعلك تتعلق بطلابك سنة دراسية كاملة تعرفهم وتعرف كل ما يخصهم بالأسماء والهوايات وجوانب بروزهم وسر إخفاقهم، فالمعلم ليس مثل الطبيب أو المهندس أو الضابط أو أي مهنة أخرى مع انتهاء المعاملة ينتهي كل شيء! كما أن المعلم يتدرج: (مشرفا - وكيلا - ناظرا) يختم حياته في دائرة مدرسته!
والمعلم أب وصديق وناصح وموجّه ومقوِّم ومربٍّ وله تأثيره البالغ على طلابه وإذا (أحبك) طلابك فأنت قدوتهم، والذي يأمر ويطاع دون تردد، غير أن الزمن اختلف ووصل إلى مهنة التعليم من لا يصلحون لها لأن (فاقد الشيء لا يعطيه)!
كما أن ولي الأمر العتيج الجميل راح وأصبح ولي الأمر اليوم (ندا) للمعلم يتصيد لأي خطأ أو زلة للأسف!
أجدادنا وآباؤنا قالوها للمعلم: «خذلك لحم صاف ولنا العظم» فطلع جيل من الزمن الجميل الذي ذهب (قيادات بنت الكويت) وكان المعلمون هم الرواد في كل شيء، ونحن نفخر بأن من قامت على أيديهم الكويت الحديثة أكثرهم من شريحة (المعلمين الأماجد)، ومن يستعرض التاريخ التربوي في دولة الكويت (تجدها الديرة) ولادة عشرات من (المعلمين القدوة) تركوا بصمة لا تمحى من جبهة التاريخ بعد أن سطروا الأسماء في العلياء فطاب ذكرهم وتم تخليد إنجازهم.
قال الشاعر:
بعث المعلم في الأنام رسولا
فـأنـار أفـئدة وزان عـقولا
ذاك المعلم لست أنسى فضله
ما دمت في قيد الحياة ظليلا
ومضة: التربية في الكويت مدرسة ومعلم نحن نستطيع أن نهتم بالبناء المدرسي حسب المواصفات ونضع ملايين الدنانير، لكننا للأسف نبخل باختيار (المعلمين الأكفاء) الذين يوجهون ويعلمون الأجيال (التي يفترض أن تبني الكويت) لكننا دائما لا نعوِّل على هذا الجانب اهتماما كبيرا وفق نظرية: (يله مشي حالك)!
يا سادة! المعلم كما يقول الأخطل الصغير:
أحـبـبـت هـذا الـنـشء
تسقيـه عـلى ظـمأ دماك
فمشى على سنن الهوى
مـتـرسـما فـيه خـطـاك
آخر الكلام: أوجهه لكل ولي أمر بأن جوهر العلاقة هي بالدرجة الأولى المعلم كونه ممثلا أساسيا للمدرسة وبين ولي الأمر كونه ممثلا للأسرة، وكلاهما من العناصر الأساسية في توطيد العلاقة الثنائية من تبادل للرأي والمشورة بشأن الطالب ومستوى تحصيله والصعوبات التي تعترضه والمشكلات التي تواجهه والقصة لا تنتهي في لقاء عابر إنما مسؤولية وتفهم لطبيعة العلاقة
المشتركة والمسؤولية ووضع مصلحة الطالب
فوق أي اعتبار، ولعل مجالس الآباء والمعلمين تلعب دورا في حل المشكلات بطريقة إيجابية إذا كانت مبنية
على الثقة حتى تتحقق الأهداف المرجوة من التربية والتعليم.
قال الشاعر:
من كالمعلم باذل من روحه
ومـجـدد آمـالـنا تجـديدا
من كالمعلم ساهر من أجلنا
يستـعذب الآلام والتسهيدا
زبدة الحچي: قال تعالى: (هو الذي بعث في الأميين رسولا منهم يتلوا عليهم آياته ويزكيهم ويعلمهم الكتاب والحكمة وإن كانوا من قبل لفي ضلال مبين) الجمعة: 2.
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إنما بعثت معلما..».
إذن نحن أمام نمط (أصيل) من المعلمين الذين يعتبرون مهنتهم رسالتهم وأخذوا على عاتقهم مسؤولية تربية الأجيال بهمة رسالية تربوية.
ونمط ثان هم المعلمون نمط (عابر) يريد هذه المهنة جسرا لمهن أخرى، وهو هنا موظف يعد أياماً ليقبض راتباً!
وكل المرجو أن يكون لجمعية المعلمين الكويتية دور أكبر في اختيار المعلمين الذين ينضوون تحت هذه المهنة، وقبل هذا أن يكون لهم رأيهم الحر في اختيار وزير التربية، وكلمتي الأخيرة لكل معلم ومعلمة: أنت قدوة الأجيال منشئو الجيل قادة الزمن، فهل أنت بالفعل القدوة؟ هذا هو السؤال.