[email protected]
نسمع بالزعيم الهندي غاندي «المقاتل الأعزل»!
صدرٌ عارٍ ومن دون سلاح قاد النضال وحوّله إلى عناوين ويافطات كما فعل عبدالكريم الخطابي وتشي غيفارا وغيرهم من الثوار!
هو رجل هندي استطاع رفع الشجاعة فوق كل القيم والصفات وجعل الجبن أرذل الرذائل، بل إن الجبان لا يستحق في نظره أن يعيش بين البشر!
بشَّر غاندي بقوة الحب وقهر التسامح ورسمه لوحة بوجوه الفقراء ودموعهم ملحمة نضالية مازالت تُكشف أسرارها.
اليوم نحن في حضرة الماهاتما غاندي واسمه مرتبط باللاعنف!
هو رجل قديس غريب الأطوار وداهية عرف ألاعيب الساسة والسياسة، حيث يستطيع أن يسبر أفضل من أي من معاصريه مكامن القوة لدى شعبه وخصومه وحدودها!
كان غاندي يكره العنف والجبن ويقوم بالمقاومة اللاعنفية!
كان يبشر شعبه بفضيلتي اللاعنف والشجاعة في الوقت نفسه!
يقول: إن المقاتل الذي يتبنى العنف يواجه نيران العدو والسلاح في يده، بينما يتوقع من المقاوم الذي يتبنى اللاعنف أن يسير رأسا إلى نيران العدو مبتسما ومبتهجا وهو يقطّع إرباً!
كان ينصح المفقرين من عمال وفلاحي الهند بحشد قواهم الكامنة من أجل كسر إرادة الطبقات المستغلة!
صام غاندي مُضربا عن الطعام وبدأ (صومه) لأنه يستحث وعيه الى التحرك بشأن ما يُعرف سلبا أنه خطأ، وذلك من أجل عزل حفنة المتصلبين!
يمكن لو طبقت أفكار غاندي السلمية مع ظهور الربيع العربي وحركات المقاومة ربما أثمرت!
لقد كرّس غاندي عمره ليضع حداً للاحتلال البريطاني للهند، وسعى إلى وضع أسس نظام تنتقل فيه السلطة الحقيقية وليس - فقط - الاسمية إلى جماهير الهنود، وتوزع فيه الثروة بإنصاف ولا يبقى فيه اللهاث وراء الثورة هدف الحياة!
تجربة غاندي في الحياة وتأملاته كنز ثري يمكن أن يساعد في توجيه الشباب المثاليين الشجعان وهم يخوضون الغمار لإيجاد مستقبل أكثر إشراقاً!
اعترف غاندي في مشواره الطويل خلال الحرب العالمية الثانية بميله وتعاطفه بشكل كامل مع الحلفاء، لأن هذه الحرب بصدد التحول الى حرب بين الديموقراطية كما تطورت في الغرب، الذي يمثلها هتلر، وخلاف جوهري بين الفاشية وحتى هذه الإمبريالية (البريطانية) التي ناضل ضدها.
ولقد تحاشى غاندي جميع المذاهب والطرق الطائفية بما فيها (الغاندية) وأعلن: يطربني أن أسمع كلمات تسقط الطريقة الغاندية! وكل مذهب يستحق التحطيم.
وخلاصة القول إن مذهب غاندي لا ينفصل عن شخصه وشخصيته، لكنه كان أقل تعسفا وأكثر اتساقا بكثير مما كان يبدي في بعض الأحيان!
واضح أن اللاعنفية هي صميم مذهبه وكان يسمى هذا (البرنامج البناء) الذي يشكل أساس (العصيان المدني) وتتضمن معالمه حذف وصمة النبذ من الهندوسية وتعزيز وحدة (الهندوسية - الإسلامية) وتشجيع استخدام عجلة (الغزل والقماش) يدويا على نطاق جماهيري.
ويبقى السؤال ما هي ساتيا غراها؟
هي المقاومة المدنية اللاعنفية التي اعتنقها غاندي طوال حياته وقد طهر نفسه من جميع الدوافع العدوانية والعنف في الفكر والكلمة والقول والتمسك بمبدأ الرفض الإيجابي الفعال والقائم على الحب الخالص والإحساس بالآخر، وهذا ينبع بدوره من الإيمان بالخير المتأصل في طبيعة البشر!
لقد أعلن غاندي أن قانون الحب يحكم البشر ويتحاشى العنف ويدعو الى تطهير الذات بعد المعاناة ورفض اللجوء الى العنف رافضا الإرهاب، وقالها: لا يسعني إلا أن أفضل اللاعنف على الجُبن!
ومضة: رفض غاندي العقائد الأيديولوجية التي يقوم عليها الاستعمار الصهيوني لفلسطين ولم يقبل بأن لليهود حقا إنجيليا في فلسطين وبدلا من ذلك نصحهم بالحصول على حقوقهم في البلدان التي يقيمون بها، وإذا قرر اليهود الذهاب الى فلسطين فينبغي أن يكون بموافقة السكان الأصليين، وإلا فإنهم يتقاسمون مع البريطانيين نهب شعب لم يسئ إليهم في شيء.
واضح أن موقف غاندي رافض تطلع اليهود الى الاستيطان في فلسطين ويستنكر مواقف أميركا وبريطانيا!
آخر الكلام: يعجبني في تاريخ غاندي (استحثاث الوعي)!
له صور عجيبة من اللاعنف وصور طيبة من المقاومة المدنية التي خاضها بين درجات متفاوتة من الزهد والإكراه!
إضراب عن الطعام، النوم شبه عارٍ من الملابس، قطع الكلام، الدعوة الى عدم دفع الضرائب، العصيان المدني، حشد الرأي العام وهكذا كان حتى غدا وصار رجل الشعب الهندي الأوحد!
زبدة الحچي: غاندي كتاب مجلة الدوحة، صورة جميلة تذكرنا بما فعلته الكويت عبر مجلة العربي لتسويق الثقافة العربية، (شكرا) للدوحة هذه (المطبوعة الجميلة) لرجل الهند الأول غاندي.
من يستعرض السيناريوهات التي مارسها غاندي في إضرابه وحربه السلمية يجد تجدد الصور والوسائل في حربه الشعبية كمناضل وبطل مارس المقاومة المدنية اللاعنفية عبر انتفاضته الباسلة ضد المستعمر الإنجليزي!
هو يقدم لنا أنموذجا للحرب اللاعنفية وكأنه (يعري) الثورات الدموية!
الكتاب والشخصية فيهما عمق وصعوبة فهم، لكن الحقيقة الباقية في هذا الكتاب وهذه الشخصية أن من يناضل يصل ويعطي صورة (سلمية) للمقاومة العنيفة في أحسن أحوالها، ولعل ما أعجبني جدا أن غاندي في زيارته الى مرسيليا في عام 1931 ثم إلى انجلترا لحضور مؤتمر المائدة المستديرة حمل معه (الماعز) من الهند لتوفير حصته اليومية من الحليب!
ترى ما الرسالة التي أراد إيصالها إلى الأوروبيين؟!