[email protected]
هل يجمع الحب ما يفرقه الدين؟
من أجل صديقي أكتب هذه القصة..
أكتبها له محبة وأُخوة
من أجل أن نحقق الوعود لمن نحب اقرأوا هذه القصة الحقيقية وما تحمل من ذخائر المحبة من درر وجواهر وأقدس ما في العلاقات الإنسانية من بينات وأسمى ما تجود به المحبة من تضحيات عبرة وزادا ينير عقول وقلوب الحيارى ليسلكوا الطريق السوي فيحققوا ذواتهم وأحلامهم في زمن تردت فيه القيم والأخلاق، وما أحوجنا الى التفكر في مفردات هذه القصة الواقعية وما فيها من مشاعر وحكمة، ففي البدء كانت المحبة وفي الختام كانت قمة المحبة رسولا للوداع الأبدي، أرجو أن أحقق لصديقي مبتغاه من نشر هذه الملحمة العذرية!
في سبعينيات القرن الماضي ذهب صاحبي الى ارض الكنانة مصر العظيمة المحروسة يحمل في جنبات نفسه (حلما) يحققه لنفسه ووالده بدراسة الحقوق ليكون «أفوكاتو» كبيرا ومعروفا، حصل على الثانوية العامة بنسبة تزيد على 88% وكانت كلمات والده وأعمامه وأخواله له بالمطار: «أنت تمثلنا وتمثل بلدك وقبيلتك والعائلة»، مما حمّله أثقال الدنيا، وازداد همه بهذه الوصايا وحملها رافعا رأسه واعدا أهله بما يسرهم، خاصة انه تم قبوله في جامعة القاهرة.
ذهب صديقي حاملا الإباء والمروءة والوعد لعائلته وكله شمم وعز وشهامة الرجال لتطأ قدمه (أرض مصر) معاهدا أباه بأن يحفظ وصاياه!
وفي الجامعة التقت عيونه لأول مرة بسارة وخفق قلبه، ومع الأيام واحتكاك الطلبة ببعض وجده (انجذابا مغناطيسيا)!
جذبته سارة بأخلاقها الجمة ومع توالي الشهور صارت الأقرب لأنفاسه وخفق لها قلبه، وكلما اتبع هوى نفسه تذكر وصايا والده وهذا هو الامتحان الأول، وعند الامتحان يكرم المرء أو يهان!
كانت سارة تمثل لعيسى (حلم حياته) أوكسجينه، نصفه، رفيقة عمره!
كانت رفيعة العود صارخة الجمال، الكل يسعى لنيل حبها لكنها اختارت عيسى!
قالوا في سفر الأمثال: الصيت الحسن أفضل من الغنى الكثير والنعمة خير من الذهب والفضة.
تقاربا وأحبا بعضهما حتى غدت سارة كل حياته وكانت تدفعه للدراسة وتحفزه حتى غدا من الأوائل المبرزين وقبل التخرج بـ 3 شهور جلسا في كازينو الزمالك يتفاهمان على قادمات الأيام، فقالت له ماسكة يده: لقد أبلغت والدتي بحبنا فرفضته وأنا على استعداد أن أحدد اختياري، فماذا عنك؟
هنا فقط دارت به الدنيا وهو يتذكر وصايا والده وأعمامه وأخواله وانتظارهم له، هنا عرف ان الاستبداد بالرأي محتم من الطرفين ومهانة له ولحبيبته!
كان انسحابه من أمامها (كارثيا) عليها فكلاهما كان (يبكي دما)!
ولم ولن ينسى تلك العيون الدامعة التي سرعان ما اختفت من أمامه لتطوي السنون عمرهما هباء!
ودارت الأيام والشهور والسنون وذهب عيسى مع أسرته للتصييف في قاهرة المعز، ومرضت حفيدته (سارة) التي يعشقها لأنها تذكره بـ «القبطية»!
وعلى سلالم مستشفى قصر العيني جفل راجعا الى الفندق بعد ان حصلت حفيدته على العلاج والدواء، وهنا التقت العيون بالعيون رغم ما فعلته السنوات الجائرة بهذا الجسد المنهك، عرفها انها (سارة) حبيبة عمره بشحمها ولحمها وصبي بعمر حفيدته يمسك يدها وبالأخرى عصاتها، وقفا طويلا وكأنهما يسترجعان (حلمهما) الذي سرق منهما (اكتفيا بالنظرات) الحزينة الذابلة وشريط من الذكريات الحلوة والمرة يعصف بهما، وكل منهما يحب ان يعترف بالخطأ لو يملك شجاعة الاعتذار!
قال لها: كيف انت؟
قالت: كما ترى؟
كانت نظرة عتاب واعتراف بالعيب والخطأ!
يقول لي بعيون دامعة والله ثم والله ثم والله ما تمنيت في حياتي ما شعرت به وهو أن ألقي بنفسي في حضنها لأبكي لها عذاب السنين!
كان الاثنان في حالة من (الاعتبار) لم يبق شيء!
بادرته بعد ان رأت كل هذا الحزن الذي يتملكه، انظر انه حفيدي عيسى!
والتفت الى حفيدته وقال لسارة الكبيرة انظري هذه (سميتك) انها حفيدتي وحبيبتي سارة!
لم يتمالكا نفسيهما كانت الدمعة هي الناطقة يا الله معقولة كل هذا الوفاء!
وظل في مكانه يراقب السيارة التي تحمل سارة الكبيرة التي خلعت قلبه من قفصه وهي تغادر مع سميه!
يقول القاضي عيسى لي: الألم نار قدسية تطهر النفس وتصلب الإرادة وتجعلنا كتلة محبة!
ويواصل: لا يعرف الإنسان نفسه إلا اذا تألم!
آه.. يابومهند الألم والفرقة يطهران النفس وهي (لغة) لا أعرف أن أشرحها لك ولكنها معي على امتداد الزمن!
وهكذا أسدل الستار على (حب عذري) بين قاض من الخليج العربي وقبطية من مصر وكلاهما اليوم في حالة ندم شديد، فلقد كان بالإمكان ان يرتبط بها لأنه يحق للمسلم ان يتزوج نصرانية!
يا ترى كم قصة من هذا النوع حدثت او ستحدث؟!
ومضة: قصة صديقي عيسى وسارة تذكرني بالثلج الأبيض النقي، معقولة كل هذا الحب النقي؟
نعم.. معقولة وأكثر من هذا وأحيانا أقول: ليتهما ما أضاعا عمرهما غير ان «الوفاء» جعلهما «حقيق على من أورق بوعد أن يثمر بفعل»!
يا عيسى ويا سارة.. لا شيء أضيع من مودة من لا وفاء له.. كلاكما (وفي) ورحم الله الشاعر أباالقاسم الشابي:
ولا تأس من حادثات الدهور
فخلف الدياجير فجر جديد
ولولا غيوم الشتاء الغضاب
لما نضد الروض تلك الورود
ولولا ظلام الحياة العبوس
لما نسج الصبح تلك البرود
آخر الكلام: اختلاف الأديان والمذاهب سنة من سنن الكون!
لكن تبقى الحقيقة في حياة البشر (صعب جدا ان ينجح ثنائي) في تخطي رفض العائلة ـ المجتمع، لكن الحب العفيف الطاهر كان دوما وسيظل منتصرا مهما تفاقمت أوجه الاختلاف.
زبدة الحچي: مادري يا قاضي عيسى، قصتك أدمت قلبي ولا أعلم حقيقة ما شعر به القارئ تجاهها، إلا ان ننتظر ما قد يصلنا من تعليقات، ولو كان الحفيدان (عيسى وسارة) امامي لقبلت رأسيهما لأنهما يمثلان لي منتج الطهارة والمحبة الصادقة وأتمنى لهما حياة مليئة بالبهجة والاستقرار العاطفي، سطور أوجعتني وربما توجعكم أيضا!