[email protected]
رمضان الكويت غير!
والله إن رمضان في الكويت (متعة) حقيقية وبانوراما عجيبة من الأجواء!
رمضان الكويت فيه نكهة روحية في ظل عطاء خيري لا ينضب وعادات أصيلة، ربي ما يحرمنا منها!
الأسرة الحاكمة عندنا تفردت بتقليد خاص درج عليه حكام الكويت الكرام بزيارة الديوانيات القديمة منذ قديم الزمان.
رمضان الكويت يتميز دائما في ذكرياتنا نحن الجيل المخضرم بالواردة وهو مدفع الإفطار، والجميل ان قصر نايف اليوم يحيي هذا التقليد الجميل باستضافة المواطنين والوافدين قبل صوت الواردة!
وليلة ناصفوه والقرقيعان والأطباق الرمضانية التي تتهادى ما بين (الجيران) والمساجد!
كنا نفرح ببيان الإذاعة والتلفزيون خاصة عندما نسمع (هل هلالك يا رمضان) ثم نسمع بيان وزارة العدل بثبوت أو نفي الرؤية!
كانت سفرتنا (تشريبة خبز خباز أو رقاق وعيوش ولبن وعصائر) ولم تكن سفرتنا أبدا (مبذرة) وإنما (تمشية) حال، أكل قليل ومشروبات معدودة بعكس سفرتنا الآن المتخمة التي أكثرها يذهب الى الحاويات للأسف!
ذكريات رمضان كثيرة عبر الماضي وما زلنا نستمتع بانطلاق مدفع الإفطار من قصر نايف!
كانت بيوت أهل الكويت قديما لها طقوس في ناصفوه من دق للهريس والچريش استعدادا لرمضان!
كان أطفال الكويت وشبابها يجتمعون في ليلة (ناصفوه) من 15 شعبان ويجلب كل واحد منهم عقب صلاة العشاء قليلا من الطعام في صحن وتسمى (شروكه)!
وكلهم يرددون أهزوجة (ناصفوه ناصفوه سلم ولدهم)!
وفي اليوم الأخير من شعبان تجتمع الأسرة في (القريش) ويتناولون ما عندهم من زاد ثم التمر والسمك المجفف والعيش القديم والتمر الحويل!
والقريش هي تصغير كلمة كويتية (قرقش) أي حط ما عندك من أكل وهي آخر وجبة في شعبان!
ما زلت أحن لمنحاز أُمي ورحاتها، والمنحاز هو وعاء خشبي اسطواني يبلغ طوله مترا ويكون مجوفا من الداخل وله يد خشبية طويلة تعرف باليد، ويتم وضع حبوب القمح داخله ثم تبدأ عملية ضرب الحبوب حتى تصل الى مرحلة تكسيرها وفصل القشرة السمراء عن الحب ليصبح لون الحب أبيض، أما الرحاة فهي التي تجرش الحبوب وكل هذا اليوم انتهى مع نهاية الزمن الجميل الماضي.
من لم يحضر رمضان في الكويت فقد فاته شيء جميل ونوعي لأن المجتمع الكويتي في رمضان عجيب ويتميز بالديوانيات التي تجمع مجالس الكويتيين، وتكون في رمضان عامرة بمرتاديها وزوّارها والحضور يتسامرون وتدور نقاشات حول كثير من القضايا التي تمس حياتهم، وهنا لابد أن تمر عليك (استكانات الشاي + فناجيل القهوة) وما لذ وطاب من اللقيمات وصب القفشة والزلابية والغريّبة وكثير جدا من الحلويات الجديدة.
وتأتيني أحيانا اتصالات من اخوة غادروا الكويت وبقي في ذاكرتهم عبق رمضان الكويت وهم يحنون له!
واعلم عندما تسمع كلمة (الغبقة الرمضانية) أنها عادة عريقة وتراثية لأهل الكويت وترتبط بهذا الشهر الفضيل، كما أن أبوطبيلة هو ساهر الليالي في السابق الذي يجوب الشوارع والفرچان ويقول: قم يا صايم واطلب ربك الدايم!
ولعل الممثل القدير أبوجسوم هو أكثر ممثل جسد هذا الأنموذج الكويتي القديم والمسمى بوطبيلة ومهمته إيقاظ الناس من النوم لتناول السحور، وكان موجودا في الستينيات وكان الأهالي يخرجون عند سماع صوته ويعطونه المقسوم من مال أو مواد غذائية ويسمى عند كثير من الدول العربية المسحراتي!
في رمضان يتحول ليل الكويت الى نهار ويذهب الناس عقب صلاة العشاء والتراويح الى الأسواق مثل المباركية والأسواق القديمة في الجهراء والفحيحيل وبعد منتصف رمضان يشترون أغراض العيد من ملابس وأحذية ونعل، كما أنهم يتوقفون عند محلات الحلويات ليتزودوا منها وليقدموا لأهاليهم وجيرانهم من (نقصاتهم) وعطاياهم الرمضانية.
٭ ومضة: أحلى شيء في رمضان مساجد الكويت ما شاء الله تفرحك بحجم مرتاديها وزوارها من ضيوف الرحمن الكرام وفعالياتها الروحانية المنوعة.
أجواء رمضان في المساجد قديما ما زالت تعكس روح ومحبة الناس للدين والتدين، وكنا في السابق نتبارى من يختم القرآن أكثر واليوم صار الشباب يتبارون من يرى تمثيليات هابطة أكثر وأكثر للأسف!
كما أن المساجد قديما كانت تقدم مشاريع إفطار الصائم بكل بساطة حتى حلت اليوم الجمعيات الخيرية واللجان في تقديم موائد منظمة مرتبة كما هو معمول في كثير من الدول العربية والإسلامية والمعروف باسم موائد الرحمن.
أكبر مشروع خيري اليوم يقدم الأكل الساخن لأكثر من 6000 من ضيوف الرحمن معروف باسم مشروع أبو الحصانية الخيري، ويقدم وجبة الفطور ساخنة عبر مساجد وخيام في كل المحافظات.
٭ آخر الكلام: المساجد في الكويت في هذا الشهر الفضيل هي خلية نحل وتقدم الكثير لروادها من الهدايا والتذكاريات والأشرطة والكتيبات وتنظم فيها المسابقات والمحاضرات وصلاة التراويح والقيام والخواطر الرمضانية في كل الصلوات، كما توزع فيها شتى أنواع الأكل والحلويات والمشروبات الباردة والساخنة خلال فترات الصلوات الطويلة من تراويح وقيام، كما يعتكف كثير من المصلين في هذه المساجد، كما ينشط المصلون في تبني مشاريع تقام في خارج الكويت في البلدان الإسلامية باسم الذين تبرعوا لبناء هذه المعالم التنموية الدعوية الحضارية.
زبدة الحچي: رمضان في الكويت نور على نور، الديوانيات لها أوقات والمساجد لها أوقات وكل منها يقوم بما يلزم، فالديوانيات برلمانات مصغرة والمساجد ملتقيات روحانية عبادية، وكما ذكرت في صدر المقال «القريش» عادة طيبة في التواصل والتراحم كانت قديما (زفرة كلها تقوم على الأسماك)، اليوم السمك غال وتغير المزاج العام فدخلت أفكار جديدة وتنوع فريد في الوجبات السريعة وهو مثال سيئ وهي بالفعل (كرنفال) اجتماعي كويتي يسبق أول يوم من رمضان المبارك.
وأود هنا أن أحيي مجاميع الشباب على مبادراتهم الخيرية الشاملة في ليالي رمضان، هذا هو والله التطوع الإنساني المشرف الذي يليق بالشعب الكويتي العظيم الكريم المعطاء.
مبارك عليكم الشهر وعساكم من عواده، ربنا لا تزغ قلوبنا بعد أن هديتنا وهب لنا من لدنك رحمة إنك أنت الوهاب، وصل الله على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه وأتباعه وسلم تسليما كثيرا وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.
تقبل الله صيام الجميع.. رمضان كريم واحذروا الأجهزة الإلكترونية كلها من أجهزة اتصال وفضائيات حتى لا يُسرق منكم رمضان!