[email protected]
في السبعينيات كنا نوقف سيارتنا بجانب أبواب الحرم باتجاه بوابة الملك عبدالعزيز بالضبط، وكان الحرم محاطا بفنادق كثيرة غير الموجودة اليوم، مثل فندق «حوقير ومكة وشبرا»، وكنا في كل أيام العمرة والحج نحرص على الذهاب إلى الحرم لحضور مجالس الشيخ العلامة عبدالعزيز بن باز والشيخ محمد بن عثيمين والشيخ بن سبيل وأبوبكر الجزائري وآخرين رحمهم الله جميعا.
أمس الأول نعى الناعي وفاة العلامة شيخنا أبوبكر الجزائري صاحب مؤلف «منهاج المسلم» الذي انتشر وفيه منهجه الدعوي والتثقيفي.
أمس الأول توفي فضيلة الشيخ أبوبكر الجزائري المدرس في الجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة والمسجد النبوي سابقا عن عمر يناهز 97 عاما بعد صراع مع المرض ودفن في البقيع، كما أحب وتمنى ونال.
والذي يتابع حركة التواصل الاجتماعي في الكويت والسعودية وبقية دول مجلس التعاون الخليجي العربية يعي (حجم المحبة) لهذا العالم الرباني الذي قضى عمره في الحرمين الشريفين والجامعات ومجالس العلم مما أكسب دروسه وكتبه جمهورا من طلبة العلم والمحبين.
ولد الشيخ أبوبكر الجزائري في قرية ليوه في جنوب الجزائر عام 1921 وبدأ يحفظ القرآن ومتون اللغة منذ صغره ثم تنقل في مدارس الجزائر وتلقى العلم على يد مشايخه هناك ثم ارتحل مع أسرته إلى المدينة المنورة، وفي رحاب المسجد النبوي الشريف استأنف دروسه مع حلقات العلماء والمشايخ وحصل على إجازة رئاسة القضاء بمكة للتدريس في المسجد النبوي وأصبح له حلقات ودروس وتفسير للقرآن في رحاب الحرم، وقد أسعدني الحظ أنني تابعت كثيرا من دروسه داخل الحرم المكي في بدايات الشباب.
وعُرف أبوبكر الجزائري على نطاق الحرمين الشريفين كواحد من المشايخ الذين لهم (حلقة شبه ثابتة بالحرم المكي) ولأكثر من خمسين عاما جلس محدثا وواعظا وموجها في الحرم حتى انني أسميته في مقالي اليوم «حمامة الحرم»، وسبحان الله وهبه قبولا واسعا من الاقليات وزوار المشاعر للباقته واسلوبه المحبب في إلقاء الدروس.
٭ ومضة: نعزي تلامذته وهم كثر بهذا المصاب الأليم خاصة أن شيخنا أبوبكر الجزائري يعتبر اليوم واحدا من المشايخ الذين لهم رأي مسموع في كل القضايا، وأنا والله أتذكر دوره الكبير في إحياء الجهاد الإسلامي ضد الاحتلال السوفييتي لأفغانستان في ثمانينيات القرن العشرين، وهو من العلماء الذين قادوا الفكر السلفي وله دوره في الدعوة الإسلامية وله إصدارات كثيرة أغنت المكتبة الإسلامية.
٭ آخر الكلام: يقول صهر الشيخ أبوبكر الجزائري واصفا الدقائق الأخيرة من حياة شيخنا رحمه الله:
إن الشيخ منذ الصباح كان يعاني من وعكة معوية وإعياء، وبعدها انتقل إلى بيته ولاحظت العائلة عليه علامات الإرهاق والتعب، بعد أن أدخل إلى مستشفى الأمير محمد بن عبدالعزيز للحرس الوطني بالمدينة المنورة.
فبدأ الشيخ الجليل يشهد ان لا إله إلا الله محمد رسول الله، وبعدها قرأت عليه أم الزبير سورة ياسين وهو يحرك يديه ورجليه وكأنه يطير مثل العصفور.
وأضاف صهر العالم الجليل: خرجت روحه وكأنه طير بعد أن درّس بالمسجد النبوي لأكثر من 60 عاما خلت.
ألم أقل لكم بأنه طير من طيور الحرمين؟!
٭ زبدة الحچي: قال الشيخ صالح المغامسي وهو أحد أبرز تلاميذه: رحم الله شيخنا أبا بكر جابر الجزائري وغفر له وجزاه عنا وعن العلم وأهله خير الجزاء. شرفتُ بالجلوس بين يديه في حلقته بالمسجد النبوي قبل ثلاثين عاما ونيف، عالم مبارك، عذب الحديث، عفّ اللسان، قريب من العامة، ناصح، محب لولاة الأمر، فاللهم أجبر كسرنا وارحم شيخنا.
امس في صلاة الفجر استحضرت كل صوره التي رأيتها في الحرمين الشريفين ودعوت له وهنيئا لهذا الشيخ الداعية سيرته المحمودة وجهده الدعوي والرسالي والعقدي، ومؤلفاته الكثيرة هي صدقة جارية له كعلم ينتفع به، أما أولاده وأنا منهم فندعو له ما حيينا وسيفقد الحرم المدني ذاك الشيبة الوقور ذا اللحية البيضاء صاحب العلم الغزير، انه شيخنا الوقور ابو بكر جابر بن موسى بن عبدالقادر بن جابر المعروف بأبو بكر الجزائري صاحب الحلقات والمحاضرات.. ادعوا له وترحموا عليه.. رحمك الله وأحسن مثواك.