Note: English translation is not 100% accurate
هل نتعلم من دروس التاريخ؟
الأحد
2006/12/31
المصدر : الانباء
نجاح في عملية تلخيص الموضوع
حدث خطأ، الرجاء اعادة المحاولة
لا يوجد نتائج في عملية تلخيص الموضوع
بقلم : يوسف الراشد
يوسف الراشد
لفت نظري خبر نُشر أخيرا في «الأنباء» حول تسديد بريطانيا آخر قسطين مستحقين عليها لكل من الولايات المتحدة وكندا، من دين كانت بريطانيا قد اقترضته منهما ابان الحرب العالمية الثانية.
وتقول تفاصيل الخبر ان لندن كانت استدانت من واشنطن 4.33 مليارات دولار، فيما استدانت من كندا 1.25 مليار دولار كندي، وان المبلغين بفوائدهما قد قسما الى 50 قسطا سنويا بدأ تسديد بريطانيا لأولها عام 1950.
وتضمن الخبر ان جملة الدين المستحق لأميركا بلغ 7.5 مليارات دولار، بينما بلغ الدين الكندي مليارين.
وقد كانت لندن حريصة طوال الستين عاما تقريبا على عدم التخلف عن سداد قسط واحد، التزاما منها بتعهداتها للدولتين، والوفاء بما يستحق عليها حيال الحليفين اللذين اعترفت بريطانيا بصنيعهما معها، ومساعدتها في الحرب العالمية الثانية التي استمرت نحو 6 سنوات.
وقد لفتني في هذا الخبر ان ايا من الحكومات البريطانية المتعاقبة لم تحاول مرة التلكؤ في تنفيذ تعهداتها حيال الدولتين الدائنتين، ولم تسع الى التنصل من دفع المستحق عليها لأي سبب، سواء كان داخليا او خارجيا، وانما مضت قدما في سداد ديونها، كأنما وجدت في هذا الالتزام نوعا من الربط الواجب بين شرف الدولة ومصداقيتها من ناحية ووفائها بما يستحق عليها من ناحية ثانية، وهو خلاف ما تصنعه دول اخرى ـ كالعراق ـ تبحث عن كل الذرائع المتاحة بالحق وبالباطل، لكي تتنصل من ديونها التي جرتها على نفسها بيديها، ضاربة بمبدأ المصداقية عرض الحائط، وقد نسيت هذه الدول ان تهرُّب المدين من ديونه هو نوع من الظلم المضاعف للدائن البريء!
كما أثار هذا الخبر في خاطري عددا من التساؤلات حول الحروب وما تجره من ويلات ومصائب على الشعوب المنتصرة والمنهزمة على السواء.
فإذا كانت بريطانيا، وهى احدى الدول التي كانت تمثل معسكر «الحلفاء» في الحرب العالمية الثانية الى جانب فرنسا وروسيا، ثم انضمت اليها أميركا في المراحل الاخيرة من الحرب، قد ظلت مدينة لواشنطن ومونتريال حتى الساعات الاخيرة من العام المنصرم 2006، بقروض احتاجت اليها للاستعانة بها على تكاليف الحرب الطاحنة، رغم أنها احدى الدول التي خرجت منتصرة من الحرب، فما بالنا بالدول المنهزمة التي كانت تمثل «المحور» المجابه لمعسكر الحلفاء، ونقصد ألمانيا وايطاليا واليابان؟
وكيف نتخيل حجم الدمار الذي حاق بهذه الدول، أراضي وشعوبا، بعد أن دارت عليها دائرة الحرب الضروس التي أهلكت مقدراتها، وخربت اقتصاداتها، ثم أحدقت بها الهزيمة الثقيلة لتتركها خرابا في نهاية المطاف، وقد انكفأت جيوشها، وضاعت ثرواتها، وتثاقلت عليها الديون الى درجة ان القيمة السوقية لعملات هذه الدول انحدرت الى ما يقرب من الصفر؟
لقد قرأنا كثيرا من التفاصيل التاريخية عن الحالة التي آلت اليها الدول التي خرجت من الحرب تزحف على بطونها، وقد عم الكساد ربوعها.
وهل كان العالم سينعم بالسلام أم سيعاني مزيدا من ويلات الحروب؟ ان مشروع مارشال هذا يعد نموذجا فريدا في قدرة الخصوم على طي صفحة الحرب، والسعي الى استئناف الحياة الطبيعية، كما هو نموذج فريد ايضا في مد المنتصر يده للأخذ بيد المنهزم، وانتشاله من هزيمته، وتمهيد الطريق أمامه ليبدأ من جديد في مداواة جراحه، ثم النهوض للمشاركة في صنع تقدم البشرية، وهو ما حدث بالفعل.
اننا نتطلع الى الحكماء في منطقتنا العربية التي تكثر فيها الخصومات، وتكتنفها أجواء الغليان وبؤر العداوة والصدام في العراق والصومال ولبنان وفلسطين والسودان، فضلا عن التوتر الذي يوشك أن يشتعل على الضفة الاخرى من خليجنا العربي، نتطلع الى حكمائنا، بمزيد من الامل، لبذل كل ما يستطيعون لإطفاء النيران المشتعلة هنا وهناك، ومحاولة ردم الفجوات بين المتخاصمين، ونشر أجواء المصالحة بين الفرقاء، التماسا للاستقرار الضروري لهذه المنطقة التي تتطلع منذ أمد لأن تتفرغ للتنمية والبناء، بدلا من قضاء الوقت في التوجس من حروب محتملة، بعد أن علمتنا التجارب أن الحروب تفرض المعاناة على الجميع، المنتصرين والمنهزمين على السواء، فهل نطمح الى مشروع مارشال «فكري» عربي يستبق الحروب، وينعش الآمال في سلام يعم العرب جميعا؟
اقرأ أيضاً