عندما غنى محمد عبده في العام 1988 أغنية «المسافة»، ومنها مقطع «أنا الجالس وراء ظهر النهار»، اتهم ثلاثة أرباع أصدقائي من عشاق محمد عبده بأنه خرج عن الفن الحقيقي، بل بعضهم ألقى بشريط الكاسيت ـ يومها لم يكن لدينا لا «سي ديات» ولا «آي بود» ـ أصدقائي رفضوا الأغنية فقط لأنهم لم يفهموا الكلمات الرائعة التي كتبها الأمير بدر بن عبدالمحسن، وبعد 22 عاما تحولت تلك الأغنية الجميلة إلى واحدة من أرقى كلاسيكيات الطرب الخليجي.
الرافضون لقانون الخصخصة ومن خلال عدة نقاشات اضطررت لخوضها الأسبوع الماضي مع عدد من الأصدقاء، وجدت أن أغلبهم يرفضون الخصخصة لأنهم لم يفهموا هذه المصطلح «بكبره»، بل إن أيا منهم لم يفهم القانون الذي طرح في مجلس الأمة للنقاش الخميس الماضي، أو بالأصح لم يقرأه، وقام ببناء أحكامه الرافضة لهذا القانون من خلال ما استقاه شفاهة من آخرين.
أكبر الكوارث أن ترفض شيئا فقط لأنك لا تفهمه، وهنا عفوا لا أعني أبدا أنني مع قانون الخصخصة أو «القصقصة» كما أحب أن أسميه والذي أقر بالمداولة الأولى في تلك الجلسة.
ولكن أريد أن أطرح الموضوع بشكل مغاير لما يطرح ويدار اليوم، وبحسب ما فهمت، على الأقل أنا منحت نفسي محاولة للفهم، وما توصلت إليه هو أن خبراء الاقتصاد في العالم يرون استحالة تطبيق الخصخصة في أي بلد إذا كان ذلك البلد يعاني من معدلات عالية من الفساد، وطبعا نحن «اسم الله علينا وعلى حوالينا» نعاني من وحش فساد مستشر في جميع أركان المؤسسات الحكومية، وبلا استثناء.
الخصخصة هي نقيض التأميم، أن تخصخص مؤسسة يعني أن تحيلها إلى القطاع الخاص كما يريد بعض «الحبايب» بيع «الكويتية» وغيرها، والتأميم هو أن تقوم بالاستيلاء على شركة خاصة ووضعها تحت يد الدولة كما فعل جمال عبدالناصر 1956 عندما أمم قناة السويس.
جمال عبدالناصر ارتكب أكبر خطأ في تاريخ العالم العربي بتأميم جميع الشركات الخاصة وإحالتها إلى ملكية الدولة، وهو الخطأ الذي أثبتته السنون اللاحقة للتأميم، فبتأميمه لتلك المؤسسات هبط بأعظم اقتصاد في الشرق الأوسط من القمة إلى القاع، فقد كان سعر صرف الجنيه المصري يومها (جنيها وشلنين استرليني) ولكن الجنيه المصري انهار في أقل من تسع سنوات بعد التأميم إلى ربع قيمته.
وما سيرتكب بالكويت من إقرار قانون الخصخصة وتحويل شركات أو مؤسسات ناجحة أو حتى خاسرة إلى القطاع الخاص، لن يقل حجم خطأه بأي حال من الأحوال عن حجم الخطأ الذي ارتكبته ثورة الضباط الأحرار في حق أعظم اقتصاد ولد في الشرق الأوسط. وقد يسأل سائل، كيف يكون التأميم خطأ والخصخصة خطأ في ذات الوقت؟
المسألة تخضع للظروف، فالتأميم الذي قام به عبدالناصر في خمسينيات القرن الماضي، قام خلاله بالسيطرة على شركات ناجحة وأخرى وصلت إلى العالمية ومن ثم أحالها إلى «عزب» للضباط الأحرار، ولم يعتمد على مبدأ الكفاءة قدر اعتماده على مبدأ الأكثر ولاء له وللثورة وليس للوطن مصر، هنا ولهذا السبب سقط اقتصاد عظيم.
والخصخصة في الكويت اليوم هي الأخرى، وفي ظل الظروف المحيطة الحالية الآن وبفضل الفساد المشتري وعدم وجود قانون ضريبي حقيقي ولا ادارة رقابية فاعلة، سيحيل الشركات والمؤسسات والقطاعات الحكومية بعد بيعها إلى «عزب» للمتنفذين.
مع هذا القانون سنودع عهد دولة الرفاه وإلى الأبد وسندخل عصر دولة جمهورية الموز.
[email protected]