لست من عشاق التعاطي مع نظريات المؤامرة، ولم أكن يوما من عشاقها ولا محبيها، ولا من المروجين لها، فأحداث الحادي عشر من سبتمبر هي جزء من الصراع العالمي القائم وليست صنيعة أميركية على الأقل، ليست صناعة أميركية 100% كما يحب أن يروج عشاق نظرية المؤامرة، واتفاقية سايكس بيكو التي رسمت حدود الدول العربية جغرافيا وسياسيا هي حق مارسه المنتصرون الفرنسيون والإنجليز عند رغبتهم في التخلي عن تركة الشرق الأوسط الثقيلة، ولم تكن جزءا من نظرية مؤامرة طويلة الأمد للسيطرة على الوطن العربي كما يدعي «القومجيون» العرب، واحتلال العراق للكويت عام 1990 كان جزءا من تخطيط غبي لديكتاتور جاء به من رحم ثقافة شعب عراقي لقنوه ليلا ونهارا وعلى مدار 50 عاما أن الكويت جزء من عراقهم، ولم يكن هناك تدخل أو توجيه أميركي على الأقل لم يكن توجيها 100%، وكل ما فعله الأميركيون أنهم كانوا قادرين على التنبؤ بتحركات الطاغية يومها، وربما لعبوا على وتر قراءتهم، ولكنهم أبدا لم يشكلوا مؤامرة تبدأ من 2/8/1990 وتنتهي في 26/2/1991.
شخصيا أرفض نظريات المؤامرة وأرفضها، بل وأفندها أحيانا أمام من يرمي بها أثناء حديث سياسي عابر، ولكن رفضي هذا ليس دائما ولا مطلقا، فلا شيء في هذه الحياة يمكن أن نحكم عليه بالمطلق، لابد من وجود استثناءات في كل أمر من أمور الحياة، وهذا ينطبق على نظريات المؤامرة المفترضة، فليس كل ما يقال عن وجود نظرية مؤامرة في أمر ما أو شأن سياسي هو صحيح، ولكنه على الوجه الآخر قد لا يكون خطأ.
وإذا ما أردنا أن نبني نظرية مؤامرة كويتية بناء على معطيات المستجدات الأخيرة، نجد أننا سنحصل على خيوط عريضة لمؤامرة كاملة فيما لو تمت ستؤدي إلى تغيير جذري في المشهد السياسي بل وحتى الحياتي في البلاد.
التدافع المحموم وغير المبرر لاستعجال إقرار قوانين وطرح اقتراحات سياسية بشكل متسارع جدا، يجعلنا نقف ونتساءل: هل هناك نظرية مؤامرة أكبر مما نراه على المشهد السياسي؟
خطة التنمية أقرت وبدأ الجري الماراثوني نحو تسويقها والبدء الفعلي في إنشاء شركات بالتوازي مع تلك الخطة المليارية، وبعدها جاء الحديث السريع جدا عن تنقيح الدستور بل وعرض المقترحات علناً، بعد أن كان هذا الأمر ولسنوات طويلة من المحظورات السياسية، وسط هذا كله جاء الحديث عن تغيير قانون غرفة التجارة والصناعة، ولم تكد تهدأ عواصف الاقتراحات والقوانين حتى هبت رياح طلب تغيير قانون التأمينات الاجتماعية، وقبلها بيومين كان الحديث عن الخصخصة والدفع بها وبأن نواباً يروجون لها كما لو كانت خلاص الشعب، وعلى ذات الخط القريب الدفع بضرورة وجود تأمين صحي للمواطنين رغم فشل وشبهات قانون التأمين الصحي على الوافدين، الذي لا يعرف حتى اليوم مصير المليار دينار التي تم تحصيلها منه.
يأتي هذا كله وسط تردي «متعمد» للخدمات في البلاد ولسنوات طويلة، وشمل التردي المستشفيات والمدارس والجامعة والمعاهد ونمو وحش الواسطة وتنامي أطراف غول الفساد.
واليوم يأتي بعض المشرعين والحكومة بحزمة قوانين واقتراحات دفعة واحدة من خصخصة وتنقيح للدستور وتغيير لقوانين مؤسسات ناجحة كالتأمينات والغرفة من أجل نسف كل شيء، وكأن هناك توجها ما، ولا أقول شخصاً ما، يريد أن يتبع سياسة الأرض المحروقة، لينسف كل شيء قائم اليوم ليقيم عليه خلقا جديدا وفق رؤية غير معروفة الأهداف، على الأقل ليست واضحة في الأفق القريب.
ومع هذا كله، ووسط معمعة تلك القوانين التي تتفجر في وجوهنا صبيحة كل يوم، يظهر التشكيك بفئات الشعب إعلاميا وسط صمت حكومي مطبق تماما كأن نيران نبرات التشكيك تلك تشعل شواطئ جزر القمر وليس في أطراف بشت وزرائها الذين لا يجيدون التصريح إلا بقدر ما يجيدون الاعتراض على نقاط النظام.
ومحصلة الحديث هل هناك مؤامرة تحاك بليل سياسي حالك يلفه الضباب؟ الإجابة نعم، فكل تلك الأمور تؤدي إلى هدف واحد وهو تغيير وجه الكويت التي نعرفها اليوم والتي عرفناها لسنوات إلى شيء آخر مختلف تماما.
مشكلتنا في هذه البلد أننا فقدنا الشفافية، والتي بفقدانها فقدنا كل شيء جميل، فقدنا القدرة على تحديد الاتجاهات، وفقدنا القدرة على تحديد من مع البلد ومن ضد البلد.
حكومة سمو الشيخ ناصر المحمد مطالبة بالشفافية، وإلا فإننا مضطرون لتفسير الأشياء تحت ظلال نظريات المؤامرة، ومعها جميع أعضاء الحكومة متهمون بها حتى يثبت لنا العكس.
[email protected]