لم أتخيل يوما أن مكانا واحدا لا تتعدى مساحته 250 مترا مربعا وأعني مدرسة تدريب الأغرار سيجمع 3 أشخاص يحملون الاسم الثلاثي نفسه «عتيق جمعان العازمي» وشخصين آخرين يحملان الاسم الثنائي نفسه «ذعار الرشيدي»، ولكن هذا ما حصل في دورة التجنيد 34 التي جمعتني بشخص يحمل ذات الاسم الثنائي الذي أحمله، وجمعت كذلك 3 أشخاص يحملون الاسم الثلاثي نفسه «عتيق جمعان العازمي»، والغريب أن القصة جمعتنا نحن الخمسة بمصادفة لا تتكرر إلا كل تريليون سنة مرة واحدة فقط، ومكمن الغرابة في أنني كنت مجندا في الكتيبة الثانية في الفصيل الأول وزميلي في المهجع اسمه «عتيق جمعان العازمي»، وعلى الطرف الآخر من مدرسة أغرار التجنيد وتحديدا في الكتيبة الأولى الفصيل الأول كان هناك مجندان زميلان وجاران في ذات المهجع أحدهما يحمل اسم «عتيق جمعان العازمي» والآخر يحمل اسم «ذعار الرشيدي» وهو شخص لا أعرفه ولم ألتق به يوما.
وبدأت حكاية اكتشافي لصدفة الأسماء عندما جاءني مدرب فصيلنا وطلب مني أن أنادي صديقي عتيق لأبلغه أنه حصل على إجازة تبدأ من يوم الأحد وحتى السبت - في وقت كان يستحيل على أي مجند الحصول على إجازة يوما كاملا، وعتيقنا هذا حصل على 6 أيام- ولكنني قلت في نفسي «ربما حصل عتيق على واسطة»، المهم أنني أبلغت عتيق بأمر الإجازة «المستحيلة»، وبعدها جمع أشياءه ثم خرج من البوابة، ولكن بمجرد خروجه فوجئت بالمدرب يعود صارخا «وين عتيق لقد حصل خلط في الأسماء.. المقصود عتيق آخر في الكتيبة الأولى وليس عتيق صديقك الذي في الكتيبة الثانية»، وقتها كان عتيق قد وصل إلى منزله وأبلغت المدرب أنني لا أعرف عنوانه.
المثير في الأمر أن المدرب ذهب بورقة إجازة الـ 6 أيام إلى الكتيبة الأولى حيث يوجد «عتيق جمعان العازمي» الثاني، وبمجرد أن منحه المدرب الإجازة حتى خرج (عتيق الثاني) من البوابة مودعا جاره في المهجع وصديقه «ذعار الرشيدي» والذي هو ليس أنا، وبعد ساعات من خروج عتيق الثاني عاد المدرب ووجهه يقطر غضبا مخاطبا ذعار قائلا: «وين عتيق لقد حصل خلط في الأسماء هناك عتيق ثالث وهو المستحق الفعلي للإجازة»، وخلال ساعات تمكن المدرب وإدارة مدرسة الأغرار من التوصل إلى عنوان وهاتف منزل عتيق «الثاني» واتصلوا به فعاد فور إبلاغه بما حدث من خطأ، أما عتيق صديقي وبعد أن أبلغت المدرب بأنني لا أعرف عنه شيئا، فلم يعد واستمتع بإجازته.
في اليوم التالي توصل المدرب إلى عتيق الثالث أو بالأصح عتيق المستحق للإجازة والذي يحمل اسم «عتيق جمعان العازمي» صاحب الإجازة «المستحيلة» التي منحت له أصلا ولم تكن لعتيق الأول ولا الثاني.
القصة رغم غرابتها والمصادفات المستحيلة التي جمعت الأسماء الخمسة المتشابهة والموقف المتطابق، إلا أن أبطالها جميعا لايزالون على قيد الحياة ويروون هذه الحكاية الغريبة كلما ورد حديث عابر عن التجنيد كواحدة من أغرب القصص التي مرت في التجنيد، وأما شاهد قصتنا الذي جمع أطرافها بعد 16 عاما فهو الزميل الراقي جدا الكاتب عبدالله بن سبت.
شخصيا لم أتذكر هذه القصة إلا بعد أن قرأت بحثا دراسيا مقررا حول السلوكيات المجتمعية، وفيه كشفت وزارة الدولة للتنمية الإدارية المصرية في مسح ميداني شمل 2000 شخص عن أن 90% ممن شملتهم العينة اعترفوا صراحة بأنهم لا يتحركون إلا بالواسطة، وبلا مسح ولا غيره أجزم بأن ذات النسبة موجودة في الكويت، وربما نتفوق على الأشقاء المصريين وتصل نسبتنا إلى 98%.
الواسطة هنا في الكويت هي رديفة الرشوة، بل وبنت خالتها وصديقتها «الأنتيم»، نبتة شيطانية تزرعها الحكومة في كل شارع وزاوية، ويقطفها النواب والمتنفذون ليعطوها لأبناء الشعب الذي أدمنها كإدمان الحشيش.
واقتراحي للحكومة الموقرة بعد أن أصبحت الواسطة جزءا من التفكير المجتمعي، إما أن تجرمها أو تشرعنها بقانون ومن ثم «تخصخصها»، خاصة أن حكومتنا نزل عليها عفريت اسمه «الخصخصة» منذ بداية العام، ولن يرتاح جسدها من هذا المس إلا بعد أن تبيع 3 أرباع البلد و«تشاور» نفسها على الربع الباقي.
[email protected]