مشكلتنا في الكويت بل في العالم العربي ككل هي انتشار وتأصل وتأصيل ثقافة «طويل العمر» بشعارات «ربنا يخلي لنا الحكومة» و«الشيوخ أبخص» وكل هذا الإرث الثقافي الذي يجب أن ينتهي.
وإذا ما أردنا أن نتحول إلى دولة مدنية حقيقية ودولة مؤسسات بكل ما تحمل الكلمة من معنى، فعلينا أولا أن نفك الارتباط بين القيمة الاجتماعية للأشخاص وقيمهم السياسية، فالشيخ شيخ سواء كان وزيرا أو لا، وله الاحترام والتقدير اجتماعيا ولا أحد يمكنه أن يشكك في أمر كهذا أو يتغاضى عنه أو ينكره إلا حاقد، واجتماعيا لا يمكن لأحد أن يزايد على مكانة الأسرة الحاكمة في قلوب الكويتيين واحترامنا لهم، ولكن سياسيا الوضع يختلف فما أن يتحول الشيخ إلى وزير فهنا تبقى قيمته الاجتماعية، ولكن في الإطار السياسي الذي دخله فهو موظف كبير ويمكن انتقاده وانتقاد أداء وزارته ونقد قراراته بل وحتى التشكيك فيها أو مخالفتها بل ومعارضتها سواء من أعضاء مجلس أمة أو من كتّاب صحافيين.
لابد من الفصل بين القيمة الاجتماعية للأشخاص وصفاتهم الوظيفية أو بالأصح صفاتهم السياسية، ولكن إذا ما استمر هذا الخلط الذي تروج له القنوات فهنا سنبقى أسرى للقبلية ولثقافة «سم طال عمرك».
حتى الشخصيات الدينية متى ما تورطت في السياسة فإنها بذلك تسقط عن نفسها القيمة الاجتماعية التي تحفظها من النقد، وبمجرد دخولها السياسة تصبح عرضة للنقد، مشكلتنا أن بعض من يملك قيمة اجتماعية رفيعة كالشيوخ والدعاة الدينيين يريد أن يدخل السياسة دون أن يتعرض للنقد وأن يتحصن بقيمته الاجتماعية في خوض غمار السياسة، وهذا أمر غير صحيح ولا يمكن القبول به منطقيا، فإما أن تبقى على قيمتك الاجتماعية وتبتعد عن السياسة عندها ليس لأحد باب عليك، وإما أن تدخل السياسة و«تحمل ما يجيك» سواء الآتي كان نقدا حقيقيا أو موجها أو حتى شخصانيا.
في الدستور لا يوجد شخص يعتبر خطا أحمر سوى صاحب السمو الأمير الشيخ صباح الأحمد حفظه الله ورعاه، وهناك أيضا القيمة الاعتبارية العليا لسمو ولي العهد الشيخ نواف الأحمد والذي يعتبر المساس به خطا أحمر وفق العرف الكويتي، وهذا كله نقبله كقبولنا للدستور ككل دون اجتزاء، وليس لأحد أن يناقشه أو يفتي فيه، أما بقية الشخصيات سواء من أسرة الحكم أو الشخصيات الدينية فلهم احترامهم اجتماعيا والمساس بهم خط أحمر فقط في حدود القيمة الاجتماعية التي نعرفها ككويتيين ونعيها ونقدرها، إنما سياسيا فلا وجود للخطوط الحمراء لأي شخصية أخرى.
ولمن لا يعرف قصة كتاب «آخر شيوخ الهيبة» الذي يعتبر احدى ركائز الاتهام الموجهة للكاتب محمد الجاسم فعليه أن يسأل وزير الإعلام الأسبق محمد السنعوسي يوم أن قام مفتشو الإعلام بمصادرة الكتاب بأمر من السنعوسي نفسه ثم أعيد إلى المكتبات التي صودر منها في اليوم التالي بأمر منه أيضا. ويستحق كتاب الجاسم أن يحمل لقب أغرب الكتب في هذا العقد، إذ بعد نشره بـ 3 أشهر صادرته فرق وزارة الإعلام وبعد 24 ساعة من المصادرة عادت «الإعلام» عن قرارها، وبعد 5 سنوات من نشر الكتاب اعتبر جزءا من قضية أمن دولة في تهم موجهة ضد مؤلفه.
واللي يرحم والدينكم فيه أحد فاهم شيء.
[email protected]