التعرض بالنقد لموظف كبير في الدولة الديموقراطية يجب أن يكون بلا حد، نعم بلا سقف محدد، على الأقل لا يكون تحديد خطوط النقد الحمراء والبرتقالية والخضراء هي الحكومة نفسها بل جهة أخرى محايدة.
والنقد بشكل عام يجب أن يكون بحجم من ننتقد، فانتقاد شرطي مرور ليس كانتقاد ضابط مثلا، وهذا ما يقوله المنطق البسيط الذي يبدو أن حكومتنا لم تسمع به، وانتقاد مدير أمن محافظة ليس كانتقاد رئيس مخفر، وانتقاد مدير إدارة ليس كانتقاد وكيل وزارة، وبالتالي ومن الطبيعي بل ومن البديهي أن انتقاد وزير ليس كانتقاد رئيس الحكومة.
وللتوضيح أكثر حتى أقرب الصورة على أعضاء ومستشاري أركان حكومتنا الموقرة، عندما ننتقد شرطي مرور لخطأ تحرير مخالفة نحن نقول إنه تعسف في استخدام الحق المعطى له وان «الإشارة كانت برتقالية عندما قطعناها بس هو عنّد وركب راسه واعتبر انا طفنا الإشارة الحمراء وحرر لنا مخالفة».
ومع إشكالية «هل الإشارة حمراء أم برتقالية عندما طفناها» يمكننا أن نذهب نحن والشرطي إلى إدارة تحقيقات المرور ويتم التحقيق معنا ومعه لمعرفة هل أخطأ في تحرير المخالفة وتعسف في استخدام السلطة أم أننا فعلا طفنا الإشارة الحمراء.
ولكن يا ترى كيف ننتقد رئيس الحكومة؟ ماذا سنقول عنه؟ ما الجملة المنمقة المرتبة التي يمكن أن نغلف بها نقدنا له؟ بل ما الجهة التي ستفصل بيننا كمنتقدين وبين رئيس الحكومة؟ حتما ليست إدارة تحقيقات وزارة الداخلية، ولكن لنفرض أننا «طفنا الإشارة الحمراء» في نقدنا لرئيس الحكومة، فيا ترى ما مخالفتنا؟ ومن الذي سيفصل لنا في إشكالية هل تجاوزنا الخطوط «الحمراء» أم «البرتقالية» في رمي سهام النقد؟ حتما هو القانون.
وبرأيي المتواضع أن خالد الفضالة «طاف الإشارة» ولكنه قطعها ولونها برتقالي وليس أحمر، فقد طرح في نقده اتهاما مرسلا، كان يمكن أن يرد عليه بكتاب توضيحي من مجلس الوزراء، أو كان يمكن ببساطة شديدة أن يرمي بوجه خالد الفضالة قفاز التحدي أمام الجميع في بيان يدعوه لإثبات ما قاله، وذلك في الوضع الديموقراطي الطبيعي الذي يفترض أن يكون عليه حالنا بعد 4 عقود من الديموقراطية، وهذا ما كان يجب أن تفعله حكومة تؤمن بروح الديموقراطية وليس بنصوص القانون فقط، وهناك فرق بين الأمرين، بيد أن حكومتنا تركت روح الديموقراطية ولجأت إلى نصوص القانون، والأمران جائزان، وليس في اللجوء إلى أي منهما حرج لا على الحكومة ولا على رئيس الحكومة، ولكن في اتخاذ طريق روح الديموقراطية كان يمكن للحكومة أن تكسب ثقة الجميع، وقبلها تكسب ثقة نفسها.
ولا أحد ينكر أن من حق رئيس الوزراء أن يقوم برفع قضية لما رأى أنه إساءة شخصية بحقه، ولكن هناك درجات كثيرة تسبق هذا الإجراء كان يمكن اللجوء إليها وهي كما أسلفت كإصدار بيان رسمي صادر عن مجلس الوزراء ينفي جملة وتفصيلا ما قاله الفضالة في الندوة، مع مطالبته بإثبات اتهامه والإتيان ببراهينه وأدلته على ما ادعاه، وهو التصرف الذي كان يمكن أن تثبت فيه الحكومة «بكبرها» أنها مؤمنة بروح الديموقراطية.
عامة ثقتنا بالقضاء لم تتزعزع يوما، ونثق بالجهاز القضائي كسلطة فصل عادلة ثابتة، وكون القضية فصلت على أساس أنها سب وقذف فخالد الفضالة قادر على الدفاع عن نفسه، ولايزال أمامنا درجتا تقاض للقول الفصل في هذه القضية والأمر لم ينته عند حكم محكمة أول درجة الذي استأنفه فريق الدفاع عنه.
هنا لا أدافع عن خالد بل أدافع عن مبدأ لابد أن يتم ترسيخه، وهو ألا تضيق الصدور بالنقد، وأن تعرف الحكومة أنها حتى ولو فصلت ألف تهمة وتهمة بحق أم بغير حق، فلن تسكت سيل النقد ولن تخفي شمس الحقيقة ولن تحجب ضوء قمر الديموقراطية التي أصبحت جزءا لا يتجزأ من شخصيتنا الكويتية.
ولكن ما دام الجماعة قرروا أن يعتبروا أن خالد «طاف الإشارة الحمراء» وقاموا بمقاضاته، فأنا أتبرع شخصيا بدفع قيمة غرامة الـ 150 دينارا، ومستعد لأن آخذ أسبوعا من الأشهر الثلاثة التي نالها، أعلم أن العقوبة في نصوص القانون شخصية لا تتجزأ، وليس في عرضي أي منطق، ولكن أعتقد أن طلبي متسق إلى حد ما مع منطق الحكومة في مقاضاة خصومها السياسيين وغير السياسيين هذه الأيام و«هيك منطق بدو هيك عرض».
[email protected]