أكثر ما يزعجني في الشارع عندما يقوم سائق باحتلال الحارة اليسرى على الدائري الخامس ويسير بسيارته بسرعة 80 كيلومترا في الساعة، ورغم أنه يتسبب في ربكة مرورية خلفه في طريق سريع وتسير خلفه قاطرة من السيارات التي تصل أعدادها الى 5 أو 6 سيارات، الا انه «طناش» مصر على احتلال الحارة اليسرى بسرعته البطيئة معلقا عينه على المقود وكأنه خضع للتو لجلسة تنويم مغناطيسي، ومع ان كل من يتجاوزه من طرف اليمين يكيل اليه سيلا من الشتائم غير المسموعة واشارات الايدي الغاضبة، الا أنه يصر على ان الحارة اليسرى ارث خاص به، وبسيارته، وأحيانا يقوم بالرد على السائقين الغاضبين بشتائم مماثلة.
فعل هذا السائق، المنوم مغناطيسيا، على سرعة 80 كيلومترا لا يذكرني سوى بفعل حكومتنا الموقرة الرشيدة في تعاطيها مع ملف التنمية، فمع أنها الممسكة بحارة «التنفيذ» السريعة في البلد، الا أنها تسير ببطء شديد ونجد أنفسنا مضطرين ككتاب وناشطين سياسيين الى كيل سيل من الانتقادات لها، وهو ما لا يعجبها عادة ولا يعجب وزراءها.
ان من يتسبب في تعطيل سير عجلة التنمية في البلد هي الحكومة وليس المجلس، وحتما ليست الاستجوابات هي التي تسببت في تعطل التنمية ولا حتى التشاحن السياسي.
وللأسف ان هناك من يروج ان الاستجوابات وهي جزء من الحراك السياسي الطبيعي في أي بلد هي السبب في تعطل عجلة التنمية، بل يذهب البعض الى اكثر من هذا بالدفع بأن التراشق النيابي الحكومي أو النيابي ـ النيابي سبب آخر لتعطل التنمية.
أولا مجلس الامة لا يملك حق صرف دينار واحد من ميزانية بقالة حكومية، فالحكومة هي الجهة التنفيذية والمخولة بالتوقيع على المشاريع ومراقبتها والصرف عليها من دينار الى 37 مليارا، وليس مجلس الامة، وعند فشل تنفيذ أي مشروع فالمساءل أولا وأخيرا هي الحكومة وليس المجلس ولا أعضاؤه، الحكومة بيدها خزائن الدولة تفتحها متى تشاء وتغلقها متى تشاء وتهدرها إن شاء البعض، مجلس الامة مجرد مراقب مشرع لا يملك صفة التنفيذ.
ومثال على ذلك عندما تنشئ المملكة العربية السعودية جامعة عالمية متكاملة، في أقل من 3 سنوات منذ لحظة الاعلان عن المشروع، ولدينا تعاقبت 6 حكومات في 6 سنوات ولم يدق مسمار واحد في جامعة الشدادية (الحلم) فهنا الحكومة هي المسؤولة، وهو المشروع الذي تحول الى ثقب أسود لابتلاع الاموال ولم يظهر منه حتى غرفة حارس لتلك الجامعة المأمولة، 666 أمر تغيير واستبدال المخططات، أكثر من مرة ومكتب تنفيذي يخرج وآخر يدخل ولاتزال الجامعة ومنذ 6 سنوات مجرد كروكي هندسي تم تغييره أكثر من مرة، هنا المسؤولية تقع بكاملها على عاتق الحكومة ولا دخل لمجلس الامة سوى ان أعضاءه وجهوا أسئلة حول هذا المشروع المتعطل لتأتي إجابات المسؤولين عن المشروع أشبه بحكايات ألف ليلة وليلة تدغدغ أحلامنا ولا تمنحنا رغيف واقع.
على الحكومة السائرة بسرعة 80 كيلومترا على الحارة اليسرى من مستقبل البلد ألا تغضب عندما نشير اليها غاضبين أو نشتم «من حر ما فينا» خاصة ونحن نرى ان الجميع تجاوزنا بينما لانزال في سطر التنمية الأول.
[email protected]