كان عمري 9 أعوام عندما شاهدت أول عرض حي لساحر ألعاب خفة، وكنت يومها مع مجموعة من الأطفال نراقب بدهشة كبيرة كيف كان الساحر يخرج أرنبا حيا من قبعته، ولم يكن الأرنب أبيض كما كنا نشاهد في التلفزيون بل كان أرنبا بلديا من «أبو الخمطة بربع».
ورغم ان الساحر أدى عددا من الخدع الأخرى كإخراج 100 فلس من أنف أحد زملائي، وقام بسحب خيط مناديل ملونة لا تنتهي من كم قميصه، الا ان الخدعة التي كانت تثيرنا على الدوام خلال العرض كانت اخراجه للأرنب من قبعته، ولأن الساحر يعرف ان هذه الخدعة هي الأكثر تأثيرا على عقولنا الصغيرة كان يكررها في كل مرة يشعر بمللنا من خدعه المكشوفة الأخرى، كان يرتدي عمامة ويضع لحية مدببة مزيفة ربما ليلقي في نفوسنا إيحاء بأنه هندي وكان يشبه كثيرا قارئ الكف الهندي في فيلم نجيب الريحاني «سي عمر» ودائما ما يكرر جملة «شوفوا الأرنب دلوقتي هيطلع من البرنيطة» ولا أعتقد ان تلك الجملة لها علاقة بأي من لغات الهند.
لم أجد شبيها لذلك الساحر وأرنبه سوى تعاطي الحكومة مع قضية البدون، فكلما فرغت حيل إلهائها للشعب من انقطاع كهربائي، وسجن لناشطين، وبرنامج فتنة، تلجأ لتلك لإثارة خدعة قضية البدون، وكأنها كلما أحست بملل الشارع أخرجت لنا أرنب قضية البدون من قبعة أحد وزرائها، فتارة تعد بتجنيس عدد لا بأس منهم، وتارة تريد أن تجنسهم بحسب فئات ستحددها لاحقا، وتارة تعد بتعديل أوضاعهم إنسانيا، وتارة أخرى تعد برفع القيود عنهم، وتارة تتهم نوابا بالتكسب من وراء تلك القضية الإنسانية، وتارة اخرى تريد ان تسحب جوازات سفرهم لأنها تشكل خطرا على الأمن العالمي.
قضية إصدار شهادات ميلاد كأبسط مثال جلست الحكومة تبحث فيها أكثر من 3 أعوام وفي النهاية وافقت جهة ورفضت جهة أخرى وبقوا معلقين على أمل ان تتعطف الحكومة وتجمع وزارتها على قرار موحد، وهناك قضية أبناء الكويتيات المتزوجات من بدون الذين يذوقون المليون مر قبل ان يحصلوا على ورقة واحدة سواء للتعليم أو العلاج، أما الكويتيون لأمهات بدون فكارثة الكوارث فلا تعترف بهم الحكومة، ولأول مرة أسمع عن حكومة لا تعترف بمواطنيها إلا حكومتنا.
وتستمر الحكومة في سحب أرنب قضية البدون لتدهشنا في كل مرة بتناقضاتها وتناقضات تصريحات وزرائها بل وقرارات وزاراتها فوزارة تمنحهم الحق ووزارة ترفضه وكل تلك الأوراق معلقة بعطف وكرم و«حنية» لجنة المقيمين بصورة غير شرعية والتي لا تمنح المراجعين من البدون ورقة اعتراف بسيطة لأي جهة إلا بعد ان تطلع روحهم، سواء كانت ورقة رخصة قيادة أو لإصدار ميلادية أو حتى تنفيذ أمر قضائي، فحتى الأوامر القضائية الصادرة باسم صاحب السمو الأمير ترفضها اللجنة التي تعين مستشارا مصريا لا يعرف سوى جملة «دي مش مضبوطة»، حكم قضائي نهائي واجب التنفيذ لورثة أحد البدون يرد وترفض تنفيذه اللجنة برد شفوي مفاده جملة «مش مضبوط».
ألا يعني الطعن بحكم قضائي أمرا يستوجب المساءلة؟! ألا يعني رفض تنفيذ حكم قضائي نهائي ان يساءل الرافض لتنفيذه سواء كان الرافض مستشارا في وزارة الداخلية أو حتى وزير الداخلية نفسه؟!
الحكومة في قضية الفضالة وبعد ما أثير من البعض حول الحكم دعت الى احترام القضاء، وعليه أدعو الحكومة الى ان تبدأ هي باحترام القضاء وتنفذ أحكامه الصادرة لكثير من أبناء فئة البدون كتدليل على احترامها للقضاء، أما أن تنفذ حكم السجن الصادر بحق الفضالة بعد أقل من 48 ساعة من صدوره، وتماطل في تنفيذ بعض الأحكام سواء تلك الصادرة لبدون أو لغيرهم سنوات وسنوات، فهنا الحكومة تصرح بشيء وتأتي بنقيضه.
وتماما كما الساحر الذي شاهدته في طفولتي، تريد الحكومة إيهامنا بأنها ساعية نحو الإصلاح غير ان تصرفاتها لا تدل بأي حال من الأحوال على انها تتحدث بأي لغة شبيهة بلغات الإصلاح.
[email protected]