ليس من المعقول ولا من المقبول ولا من المنطق في شيء أن يكون سعر السيارة بـ 7 آلاف دينار وقيمة مخالفة ممنوع الوقوف 10 آلاف دينار، ولو رويت هذا الأمر لطفل في الروضة لضحك أمامك حتى ترى لوزتيه.
«السيارة بـ 7 آلاف ومخالفة ممنوع الوقوف بـ 10 آلاف دينار» هذه هي المعادلة التي نقف أمامها اليوم في التغليظ المرتقب على قانون المرئي والمسموع والمطبوعات، حيث ينتظر أن تصل العقوبة إلى 300 ألف دينار، بينما رأسمال تأسيس الصحيفة 250 ألف دينار، بأي منطق وأي مذهب، بل بأي ملة يمكن أن نمرر هذا التغليظ المريب؟!
ما الذي تريده الحكومة من وراء هذا التغليظ؟ في الحقيقة أنني أدرت هذا السؤال في عقلي يمينا ويسارا، وقلبته في أبعد خيالاتي فلم أصل الا إلى نتيجة واحدة هي أن الحكومة تسعى جاهدة لتكميم الأفواه وبالقانون.
مليون دولار غرامة ثابتة بمادة قانونية لا مثيل لها في أي بلد في العالم، لا أدعي أنني اطلعت على قوانين مطبوعات دول العالم، ولكن لا أعتقد أن حكومة في الأرض كلها يمكن أن تصل العقوبات في أي من قوانينها إلى هذا الرقم الخيالي.
الحكومة وبإدخالنا قانون «من سيخسر المليون؟» ستدخلنا في نفق تخييط الأفواه وليس فقط تكميمها، الحكومة في هذه اللعبة المكشوفة لضرب الألسن وكسر الأقلام، بل قل كسر الرؤوس، إنما تمارس نوعا من أنواع الديكتاتورية المقنعة بالقانون.
تغليظ العقوبات يعني تطويق الحرية التي كفلها الدستور، بل هو نوع جديد من الالتفاف على مواد الدستور هدفه الوحيد هو العودة بنا إلى زمن «كله تمام يا أفندم».
مليون دولار؟! أي عقل سيرضى بهذا؟! وأي منطق يمكن أن يمرر هذا الرقم الخيالي الذي تريد فرضه حكومتنا؟! أي مستشار هذا الذي أشار عليهم وزين لهم هذا التغليظ؟! وأي مجلس وزراء هذا الذي ناقش هذا التغليظ بل ومرره؟! بل والأهم: أي عاقل في مجلس الأمة سيصوت لصالح تمرير مثل هذا التغليظ؟! فيما لو مرر هذا القانون فمرحبا بكم في زمن الجنون، وأهلا وسهلا بالجميع في زمن الفداوية الجدد، وسيصبح انتقاد شرطي مرور متقاعد أشبه بمحاولة تسلق قمة جبل ايفرست في عز الشتاء.
أي صحيفة تلك التي ستغامر بخسارة مليون دولار؟! وأي كاتب سيقبل أن تخسر صحيفته هذا المبلغ الذي يكفي لإنشاء صحيفة جديدة؟ وأي رئيس تحرير هو الذي سيمرر مقالة أو كاريكاتيرا يمكن أن يكلف مطبوعته هذه المخالفة المليونية؟ المسألة هنا لا علاقة لها بممارسة الحرية بل بالعقل وبالمنطق، ولا يوجد كاتب عاقل واحد يقول انه يمكن أن يكتب بحرية في ظل مقصلة المليون دولار المسلطة على رقبته ورقبة صحيفته.
وفيما لو وجدتم شخصا واحدا مهما بلغت درجة جنونه أن يقبل بأن تصبح قيمة مخالفة ممنوع الوقوف بـ 10 آلاف دينار، عندها أقول لكم انه يمكن أن تجدوا شخصا يوافقكم على غرامة الـ 300 ألف دينار.
تساؤل غير بريء: أموت وأعرف من هو «جورج قرداحي» الذي اقترح على جماعتنا فكرة «من سيخسر المليون؟» في تغليظ العقوبات على مخالفي قانون المطبوعات والمرئي والمسموع، رغم أنني أشك شخصيا في مستشار واحد لايزال يلعب خلف الكواليس منذ سنوات.
[email protected]