قبل أكثر من 16 عاما حضرت مسرحية إن لم تخني الذاكرة اسمها «الرأس» وكان يلعب أحد الأدوار الرئيسية فيها الفنان الصاعد يومها طارق العلي، وأذكر أنه وبعد انتهاء المسرحية كنت مع مجموعة من الأصدقاء «المثقفين» خلف الكواليس والتقينا بطارق الذي قال لنا معلقا على دوره: «أقص إيدي إذا أنا فاهم شيء من هذه المسرحية»، ويومها علّق أحد الزملاء «شديد الثقافة» قائلا: «هذا فنان ويلعب دورا رئيسيا في مسرحية ذات إسقاط سياسي ولا يفهم تلك والله مصيبة»، ودخلنا بعدها أنا والزملاء في وصلة «تحلطم» ثقافية على وزن «يا حيف عليك يا فن»، و«يا ساتر على الفن إذا كان هؤلاء نجومه» مرت السنوات ولم أسمع رأيا سياسيا صريحا للفنان طارق العلي الذي أصبح النجم الكوميدي رقم واحد في الكويت بل وفي الخليج، وخلال تلك السنوات كتبت عن طارق العلي عدة مقالات جميعها ضده وأحدها على ما أذكر دعوت فيها صراحة إلى إحالته إلى النيابة العامة بتهمة إثارة الفتنة.
وقبل أسبوعين ظهر طارق العلي في لقاءين تلفزيونين خرج فيهما عن عباءة الفنان وتحول إلى سياسي، وتحدث ببساطة متناهية وبكل هدوء دون تشنج، وقدم آراءه على طبق من الوضوح فلا لبس فيما قاله خلال اللقاءين ولا يمكن تأويله.
أعترف بأن طارق العلي فاجأني بآرائه السياسية المستقلة كما فاجأ كثيرين، وكان بحق متزنا حاضر الذهن ويجيد الحديث بشكل يعجز عنه أغلب أعضاء مجلس الأمة، ففي معرض حديثه رفض أن يميل إلى معسكر ضد آخر وتحدث بتوازن مستقل هادئ وقدم رؤيته للوضع السياسي في البلد.
المتحدث طارق العلي لم يكن شخصا عاديا وهو يتحدث بل كان النجم الكوميدي رقم واحد هو من يتحدث، ولم يتردد ولو للحظة واحدة في انتقاد الحكومة، وهو الذي كان يعتقد الجميع قبل اللقاء أنه سيميل في آرائه مع الحكومة ويقف ضد من يعاديها، إلا أنه خيب ظنون الجميع.
طارق العلي سياسيا أثبت أنه يملك وعيا جميلا ويمتلك أكثر من ذلك أسلوبا جميلا لإيصال رأيه دون أن يمس بأحد، واستطاع أن يقفز على حواجز الأسئلة بديبلوماسية يفتقدها ثلاثة أرباع أعضاء مجلس الأمة، وعندما أقول أنه مارس الديبلوماسية لا أقول أنه تهرب من الإجابة عن الأسئلة بل أجاب بشكل واضح دون أن يترك لأحد مجالا للتأويل.
طارق العلي كان واضحا وقدم رأيه السياسي كمواطن بشكل أصبحنا نفتقده في زمن فوضى التصريحات وعاصفة الولاءات المتغيرة بعيدا عن معسكرات الموالاة والمعارضة.
والفنان ليس مطالبا بأن يكون مع أو ضد وليس بالضرورة أن يشكل رأيا سياسيا معلنا، ولكن أن تأتي تلك الآراء من فنان بحجم جماهيرية طارق فذلك أمر يستحق منا أن نحييه وأن نرفع له قبعات الاحترام، خاصة مع محاولات وضعه في خانة الموالاة الحكومية التي أعلن صراحة براءته منها ورفضه الوقوف ضد المعارضة، معللا ذلك بأنه يمثل الكويت ولا يمثل الحكومة أو الأشخاص، وقدم صورة الخلافات في المشهد السياسي بأنها ليست بأكثر من أمر طبيعي ومن حق الجميع أن يبدي رأيه كما يريد.
أتمنى على أعضاء مجلس الأمة أن يتمتعوا ولو بجزء يسير من الوعي الجميل الذي أظهره النجم طارق العلي في اللقاءين التلفزيونين اللذين غير فيهما طارق الصورة النمطية القائلة بأن كل الفنانين موالون للحكومة.
شكرا بومحمد فأنا الآن أعلم أن جملتك التي سمعتها منك قبل 16 عاما لم تكن سوى «غشمرة» عابرة وأنني وأصدقائي «المثقفين جدا» لم نفهم أن «غشمرتك» كانت تخفي وراءها وعيا سياسيا جميلا.
[email protected]