ذعار الرشيدي
لا شك أن معتقل غوانتانامو سيكون وصمة عار دائمة في جبين الإنسانية وليس فقط في تاريخ الولايات المتحدة الأميركية.
الكل تحدث عن غوانتانامو وكتبت حوله آلاف التقارير ومئات الآلاف من المقالات واستل الكتاب والمحللون العرب أقلامهم وشحذوها ودخلوا بها عشرات المعارك مناوئين كل ما فعلته أميركا في غوانتنامو.
ولو أن الكتاب العرب أصلحهم الله وقوم سيوفهم واستلوا لوحة مفاتيح أجهزة حواسيبهم ودخلوا موقع الـ «you-tube»، لاكتشفوا وجود ما لا يقل عن 1000 معسكر غوانتانامو في البلدان العربية، مقاطع ڤيديو حقيقية 100% عن تعذيب سجناء في مخافر الشرطة وأقسام المباحث.
وليس من بينهم إرهابيون بل معظمهم متهمون بتهم جنائية عادية ولم يثبت عليهم شيء، إنما تم تعذيبهم تحت دعوى الاشتباه وعلى يد أبناء جلدتهم.
قبل أن نستل أقلامنا لننتقد بشاعة هندسة نوافذ قصر الجيران فلنتوقف قليلا ولنكحل أعيننا بنوافذ بيتنا الصغير المحطمة، قبل أن نهاجم الشيطان أميركا علينا أن نحصي عدد «الينانوة» الذين يملأون بلداننا.
قبل أن نصب جام غضبنا على جارنا لأنه جرح أحد أبنائنا بسوط علينا أن نعاتب أبناء عمومتنا الذين يقطعون أوصال أبنائنا ويعلقون بعضهم على شوايات غرف التحقيق بسبب اتهام لم يثبت بعد، قبل أن نستنهض غيرتنا الدينية ضد جارنا الذي بدأ تبشير جيراننا الآخرين لدينه لننتبه لإخوتنا في الدين الذين يكفروننا «في الطالعة والنازلة»، قبل أن ننسج عشرات القصص المريضة حول التنورة القصيرة التي ترتديها زوجة جارنا فلنعد أصابع أبنائنا الذين حاكوا لها تلك التنورة بعد أن هجرونا إلى قصر جارنا هربا من الفقر الذي يملأ أركان منزلنا المتهالك، قبل أن نعد كازينوهات الجيران وزجاجات خمورهم وسجائر حشيشهم فلنبدأ بعدّ أبنائنا من المدمنين، قبل أن ننتقد ابنتهم المتحررة فلنقف دقيقة حدادا قرب جثة ابنتنا الصغيرة «حرية»، قبل أن ننتقد هجومهم اللاذع في أفلامهم على هويتنا كعرب لننتج فيلما واحدا «عليه القيمة».
قبل أن نتبحر في علوم فن الرد على دعاوى الجيران فلنحاول أن نستعيد إنسانيتنا، قبل أن نتحدث عن النفس العنصري الذي يواجهنا به الغرب فلنطلع على قائمة اللاجئين العرب والمسلمين الذين احتضنتهم أميركا وأوروبا بعد أن لفظتهم بلدانهم «غير العنصرية»، قبل أن ندعو على أميركا فلندع لأنفسنا بالهداية.
قبل أن ندعو لإغلاق معتقل غوانتانامو فلنبدأ بإغلاق آلاف «الغوانتانامونات» المنتشرة من المحيط إلى الخليج، عندها فقط سيتم إغلاق غوانتانامو بشكل آلي، بل إن الحاجة إلى وجوده ستنتفي تماما، وربما عندها وعندها فقط ستنتفي الحاجة إلى وجود الولايات المتحدة الأميركية لتظهر الولايات المتحدة العربية.