ذعار الرشيدي
يعلمك العمل الصحافي أمرا مهما جدا، وهو أن من رأى ليس كمن سمع، هو مثل قديم قدم «البطيخ» ولكنه يصبح مبدأ يوميا لأي صحافي ناجح.
وهذا ما حصل معي عندما عرضت لأول مرة مسرحية محمد صبحي «ماما أميركا»، ووجدت فيها إساءة للخليجيين وتناولت المسرحية بالنقد القاسي جدا على طاولة خليجيتي تحت ظلال العاطفة تماما، كبطل أفلام هندي يرفض أن تموت حبيبته على يد مجموعة من قطاع الطرق، بعد أن تلقت 15 طلقة في رأسها وهي لاتزال قادرة على الحديث لتقول له «محبت هي».
يومها قمت بكتابة مقالتين نقديتين، ماسحا البلاط بمسرح محمد صبحي كاملا، واستذكرت في مقالتي كما فعل كثير من الكتاب الكويتيين كيف أن صدام صبحي صافح يد الرئيس العراقي المقبور صدام حسين.
ووضعت بالرجل ما لم يضعه فيدل كاسترو في أميركا، وبعد عامين التقيت عمدا الفنان محمد صبحي، ولسخرية القدر أنني دعوته لتناول فنجان قهوة في فندق ماريوت الزمالك، ولبى الدعوة حبا وكرامة، وعلى رائحة قهوة ماكسويل الأميركية سألته: «لماذا شتمت الخليجيين؟... لماذا شتمتنا؟ عندما شخصت الخليجيين كأقزام في شخصية عبود بمسرحيتك ماما أميركا؟».
طبعا قضى محمد صبحي 10 دقائق موضحا وجهة نظره في أن الفن شامل وأننا كعرب لحمة واحدة من حق أي شخص منا أن ينتقد الآخر بحسب رؤيته، ونفى قطعيا أنه كان يقصد الإساءة للخليجيين أو الشوام أو العراقيين، مدللا على أنه انتقد مصر في مسرحيته قبل أن يشرع بانتقاد الآخرين.
ودار الحديث على دخان سجائرنا الأميركية الصنع، على صوت رشفات قهوتنا الأميركية وبخارها الذي يذكرك بدعاية ماكسويل الشهير «ماكسويل إن ذي هاوس».
غادرت المقهى ومحمد صبحي واتجهت لسيارتي الشيروكي واتجه هو نحو سيارته الشيروكي «الأميركيتين طبعا» وانتهى لقاؤنا على وعد الاتصال.
بعد عشر سنوات على نقدي اللاذع لمسرحية صبحي «ماما أميركا»، كان لقائي بمحمد صبحي بمثابة الاكتشاف لعالم الازدواجية التي يعيش فيه المثقفون العرب فنحن ندخن الأميركية ونركب الأميركية ونرتشف الأميركية ونقبض بالأخضر الأميركي ونشتم «ماما أميركا».