ذعار الرشيدي
ما أسوأ أن تكون أول من يحصل على شهادة وفاة أحد أحبائك من وزارة الصحة، فلم يتبق لك من ذكراه الآن سوى ورقة كتب فيها الآتي: «الوفاة نتيجة هبوط حاد في الدورة الدموية» وشرح طبي مفصل ممل عما ادى الى ذلك الهبوط سواء أكانت سكتة قلبية او دماغية او خللا في وظائف الجسم الحيوية.
تتناول الورقة وتقرأها مرات ومرات قبل ان تقرر ان تدير مفتاح سيارتك التي ركنتها امام مكتب الوفيات في المنطقة الصحية لتنطلق الى وزارة الاعلام لتسجل اسمه ضمن وفيات اليوم، الأسوأ هو ان تكون ايضا من يحصل على شهادة عنوان قبره الذي دفنته فيه لاحقا من ذلك اليوم من عامل المقبرة يوم التشييع.
ورقتان ستكونان آخر عهدك بأحد أحبائك، قريبا كان أو صديقا أو أخا أو زوجة، عما أو خالا أو حتى زميل عمل، المهم أنك كنت ذلك الشخص سيئ الحظ الذي حصل على الورقتين وقاده سوء حظه لان يكون المتطوع لانهاء اجراءات معاملة شطبه من سجلات الاحياء رسميا.
فماذا لو كنت شخصا كان حظه السيئ في أدنى درجاته وحصل معه هذا الأمر ثلاث مرات في عام واحد، وأمر كهذا لا يدخل ابدا في خانة التعود، فليس هو بالأمر السهل لأن كل مرة تدخل هذه التجربة كأنك تدخل كابوسا جديدا تعيشه ولا تصحوا معه إلا بدخولك دائرة النسيان قبل ان تستيقظ مرة اخرى على كابوس موت حبيب آخر وشهادة وفاة أخرى.
هذا العام فقدت اصدقاء وزملاء وابن اخت ومعلما، لست متطيرا ولم أكن يوما من المتطيرين الذين يؤمنون بسوء الطالع، ولكن تملكني اعتقاد بأن هذا العام عام 2008 هو عام الموت، عام فقدان الاحبة والاصدقاء والمعلمين، حتى أصبحت اعتقد ان كل هاتف يتكرر ظهوره على شاشة هاتفي اكثر من مرة سيحمل معه على الطرف الآخر خبر وفاة عزيز.
الموت لا يعرف كبيرا ولا صغيرا، ولا شيخا ولا فقيرا، ولا يفرق بين حريص وآخر غير آبه، لا يفرق بين شخص «يمشي تحت الساس» وآخر مغامر، غير أن حصاد الموت لهذا العام من الاحبة والاصدقاء والزملاء جعلني اعيد النظر في مسألة التشاؤم من هذا العام.
ربما لأن حصاده كان قريبا مني بدرجة كبيرة.
لست من المؤمنين بمسألة التطير تشاؤما، ولكن احساسا تملكني أن هذا العام لن يكون عاما جيدا، وبشيء من المراجعة السريعة وجدت مصادفة ان السنوات التي تحمل ارقاما زوجية لم تكن اعواما جيدة على جميع المستويات، ولو قلبت القضية من انسانية الى سياسية تاريخية لوجدنا ان السنوات الزوجية لم تكن جيدة على الاطلاق في معظمها على مر تاريخ الكويت الحديث والقديم ايضا، فالاحتلال العراقي الغاشم حصل في العام 1990 وهو رقم زوجي (وتحرير بلادنا جاء في عام فردي 1991)، وقبله في العام 1986 حل مجلس 1985 وبعده كان اختطاف طائرة الجابرية عام 1988 وقبلها بعامين 1986 كان تفجير المقاهي الشعبية، ومع سنوات الحل ايضا حل مجلس 2003 في العام 2006، وكذلك حل مجلس 2006 في العام 2008 (اغلب مجالس الأمة حلت في سنوات زوجية ما عدا مجلس 1996 فهو الوحيد الذي حل بسنة فردية في 2003)، وفي العام 2006 كانت وفاة امير القلوب الشيخ جابر الاحمد.
ولو عدنا بالتاريخ الى الوراء وتحديدا الى ثلاثينيات القرن الماضي لوجدنا ان سنة الهدامة ضربت الكويت في العام 1934 وإلى الوراء الى القرن التاسع عشر لوجدنا الكارثة الحقيقية التي لحقت بالكويت عام 1868 وهي السنة التي عرفت لاحقا بسنة الهيلق عندما ضربت المجاعة معظم اجزاء الجزيرة العربية والكويت وتسببت في هلاك الكثير من الكويتيين ووصل الأمر الى ان البعض استحل شرب دماء البهائم التي تذبح، وبعدها بسنوات كانت سنة الدبا 1980 عندما غزا الجراد الكويت واصاب المزارع واتلفها وكاد يهلك خلقا كثيرا، ثم هناك سنة الطبعة فكانت عام 1872 عندما غرقت كثير من السفن الكويتية بين الهند ومسقط فعرفت بذلك الاسم، والأسوأ على الاطلاق كانت سنة الرحمة عام 1918 وهو العام الذي ضربت فيه الانفلونزا القاتلة اجزاء كبيرة من العالم وقتلت عشرات الملايين من الاشخاص الا ان الكويت وقاها الله من هذا الوباء عرفت بسنة الرحمة.
لا أريد أن اثبت شيئا هنا، ولكن بقي نحو 3 اشهر ونيف على هذا العام ينتهي ويودعنا، واتمنى ان ينتهي على خير قبل ان تحدث كارثة سياسية من نوع لا يتوقعه احد.
هي مجرد قراءة لا أكثر ولا أقل من شخص كتب عليه ان يحصل على 3 شهادات وفاة في عام واحد لثلاثة اشخاص قريبين من قلبه.