ذعار الرشيدي
التقيت به عام 1992 في رابطة الأدباء، عندما كنت أريد أن أصبح أديبا، يومها ونظرا لصغر سني كنت أعتقد أن جواز مرور الأدب يمر من بوابة رابطة الأدباء وهو أمر اكتشفت أنه معلومة خاطئة إذ ان رابطة الأدباء ليست أكثر من جمعية نفع عام لا أكثر ولا أقل ولم تكن يوما ولم تصبح شيئا أكبر من حجم تعريف «جمعية نفع عام».
صالح الحريبي صاحب الأغاني الطربية الأصيلة التي تضرب ألحانها في عمق حناجر تاريخنا وتراثنا، وجدته شخصا متواضعا، سألني «ماذا تفعل هنا؟» قلت له أنا شاعر وأكتب الشعر الفصيح والشعبي والعامي، طبعا يومها كان في رصيدي 20 قصيدة منشورة لو سمع المتنبي أي بيت منها لقام من قبره وتوجه إلى معد الصفحة الشعرية الذي وافق على نشرها ولعلقه من غترته في سقف مكتبه على طريقة انتحار الآسيويين هذه الأيام، ليعود إلى قبره متمتما «لا بارك الله فيكم ولا بالشعر اللي تعرفونه».
الفنان صالح الحريبي لم يطلب مني أن اسمعه أيا من قصائدي، حمدا لله، ولكنه طلب مني تفسير بيتين للشاعر الكبير محمد بن لعبون أوردهما علي قائلا:
يا ركب ما سرتوا بيوسف ليعقوب
قبل الفجر ينباج واللي غربيب
ما يستيدر الدور منكم لمنيوب
إلا وكد جريت رسم المكاتيب
بعد ان انتهى من سردهما، بإلقائه الرخيم الذي لا يشبه إلا طبقة صوته المخملية وهو يغني «يا علي»، صمت وفغرت فاهي «شبرين ونصف»، ليس لأنني لم أفهم المعنى فقط، بل لأنني أول مرة اسمع باسم الشاعر الكبير محمد بن لعبون، طبعا كانت إجابتي بادية بوضوح على فمي الذي فتح كمغارة علي بابا على وقع جملة «افتح يا سمسم»، ولكنني استجمعت بعضا من قواي وقلت له «لا لا أعرف» فقال لي: إذن ابدأ بقراءة وفهم وحفظ ابن لعبون وبعدها قل انك شاعر، من يومها عدت إلى جادة الصواب الشعرية، أو في الحقيقة أنني وجدت الجادة المؤدية لقصر السيد المبجل شعر، وتعلمت كثيرا من قراءتي لابن لعبون حفظا وفهما وقيمة شعرية، فتغيرت قصائدي 180 درجة وتحولت من مجرد محاولات شعرية إلى قصائد حقيقية، واستطعت أن أوجد لنفسي بعد هذا اللقاء المفصلي بالنسبة لي مكانا بين شعراء التسعينيات، وربما لولا لقائي بالفنان الكبير صالح الحريبي وسؤاله المحرج لكنت لا أزال أكتب قصائد تقض مرقد المتنبي.
لأكثر من 16 عاما لم ألتق بالفنان صالح الحريبي، لأنني لم أعد أذهب إلى جمعية النفع العام المسماة رابطة الأدباء.
ولكن بعد حصولي على تكريم لائق قبل شهرين من عدد من المطبوعات التي تعنى بالأدب التي أفردت صفحات لقصائدي، تذكرت صاحب الفضل في تحويلي من كتابة القصائد المولودة في أنابيب مختبرية جاهزة إلى كتابة القصائد الحية القادمة من رحم الشعر.
استاذي العزيز صالح الحريبي شكرا لك.
من القلب شكرا لك.
وأتمنى أن يتم تكريمه تكريما يليق به كأن يمنح جائزة الدولة التقديرية التي يستحقها، فليس من حصل على جائزة الدولة التقديرية بسبب روايتين أو ثلاث روايات بأفضل منه خاصة أن رواياتهم لم يقرأها أحد ولم يقم باقتنائها أحد بل إن كثيرا من المثقفين الحقيقيين يستكثرون دفع ربع دينار لقاء مثل تلك الروايات التي أفضل ما يمكن أن توصف به أنها روايات درجة ثالثة.
صالح الحريبي فنان حقيقي، ملتزم، صاحب فضل في حفظ كثير من الموروث الذي لا يعرف قيمته سوى أشخاص قلائل منهم الحريبي صالح.
كلمة أخيرة
للتذكير لست ضد رابطة الأدباء فأنا لا أعرف عنها شيئا منذ ثماني سنوات كاملة، ولكن أعتقد أنها حسنا فعلت بإطلاق مسابقة تحمل اسم الفنان الكبير صالح الحريبي وخصصتها للشعر، صدقوني اسمه أضاف للمسابقة كثيرا ولرابطتكم أكثر وأكثر.