ذعار الرشيدي
لا أعرف عدد الأطباء في الكويت، ولكنني أعرف أن كثيرا منهم يعملون في المستشفيات الحكومية صباحا وبعد الظهر في عياداتهم الخاصة، وكثير من هؤلاء ولن أقول جميعهم «عشان ما يحمقون علينا» يقومون بتحويل مرضاهم إلى عياداتهم ليهتموا بهم، وبعضهم يقوم بالاستفادة من التسهيلات الممنوحة له في المستشفى الحكومي الذي يعمل فيه ليجري التحليلات لمرضى عيادته الخاصة.
ووزارة الصحة ليست بحاجة إلى عصا سحرية لتمنع تداخل عمل الأطباء بين المستشفيات الحكومية وعياداتهم الخاصة، فكل ما على المسؤولين فعله هو العودة إلى العيادات الطبية المسجلة في القطاع الخاص ومراجعة عمل الأطباء وانتاجيتهم في المستشفيات التي يعملون فيها ليعرفوا عن أي كارثة صحية أتحدث، فهؤلاء عادة مع مرور الزمن يتحولون إلى أطباء خصوصيين «على وزن مدرسين خصوصيين» يهملون في المدرسة ولكنهم يعطون الطلبة دروسا خصوصية على أفضل منهاج.
ليس لدي اعتراض أبدا على أن يفتتح الطبيب عيادته الخاصة «الله يرزقه» ولكن عليه ألا يبني زبائنه بالترويج لعيادته بين المرضى المراجعين لعيادته الحكومية في المستشفى أو أن يستغل مختبرات وأقسام الأشعة ليجري فحوصاته الخاصة لمرضى عيادته الخاصة.
أتذكر قبل عامين عندما أصبت بالديسك «أبعد الله آلامه عن القريب والبعيد والصديق والعدو» صادف أن كان طبيبي المعالج هو رئيس قسم الأعصاب في مستشفى ابن سينا يومها ورئيس إدارة العلاج في الخارج حاليا د.علي الكندري، وجعل الله شفائي على يديه بعد أن قضيت شهرين قبل لقائي به حائرا بين أطباء «الأربعة سلندر» في العيادات الخاصة أو ما يمكن تسميتهم بـ «الأطباء الخصوصيين».
عندما منّ الله علي بالشفاء من الديسك واختفت آلامه سألت د.علي الكندري «لماذا لا تقوم بافتتاح عيادة خاصة كما هو حال جميع الأطباء في الكويت؟
فأنت متمكن من عملك وتملك تخصصا نادرا في جراحة المخ والأعصاب وتعتبر من القلائل في هذا المجال من الخليجيين»، كنت أسأله لأنني رأيت فيه طبيبا يعمل باحترافية وإنسانية عاليتين مع الجميع، فأجاب: «أنا طبيب حكومة، أتقاضى راتبي لأعالج المرضى وأهتم بهم، وأقسمت قسم الأطباء أن أراعي الله سبحانه وتعالى فيهم، ولا حاجة لي لافتتاح عيادة خاصة، فمن يريد العلاج كل ما عليه عمله هو القدوم إلى مستشفى ابن سينا وسأعالجه، ولن اعترف بروتين ولا أوراق ولا مواعيد فالمريض من حقه أن يعالج ويتلقى أحسن الرعاية وهذا ما أفعله وسأظل أفعله حتى آخر يوم».
لم أعجب من رده كوني وخلال فترة مراجعتي له عرفت أخلاقه العالية التي يحلف بها جميع العاملين في مستشفى ابن سينا، ولكنني استغربت وأعدت السؤال عليه بصيغة أخرى فأجاب: «الطب مهنة إنسانية في الدرجة الأولى ومتى أصبحت تجارة واستثمارا فقل عليها السلام، وأنا أرفض أن أتحول إلى تاجر طبيب أو طبيب تاجر، أنا طبيب فقط»
قلت له: أن يعمل رجل وفق مبدئك في زمن السرعة وطغيان الماديات إما أن يكون مليونيرا أصلا، أو أنه لا يعرف من أين تؤكل الكتف طبيا، فقال:«أنا مليونير فعلا، ولكني مليونير بدعوات المرضى الذين يدعون لي بعد أن يمن الله عليهم بالشفاء وهذه الثروة وحدها تكفيني»،
الطبيب الإنسان علي الكندري أرى أنه أنموذج يجب على وزارة الصحة أن تقوم بتعميمه على جميع مستشفياتها لأنه أنموذج لو طبق لاستطعنا أن نعالج 50% من مشكلات الصحة في الكويت دون أن نبني مستشفى واحدا ودون أن نضيف سريرا طبيا لأي مستشفى.
المشكلة الصحية في الكويت لم تكن يوما في نقص أسرة ولا بناء مستشفى بل بسبب نقص وجود أطباء محترفين يقدمون قسم أبوقراط وإنسانيتهم على البحث عن منصب أو رئاسة قسم أو صراعات إدارية جعلت من الجسد الطبي هيكلا آيلا للسقوط عند أدنى «كحة».