ذعار الرشيدي
ليس من حق شخص لا يجيد قيادة السيارة ولا يفهم في ميكانيكيتها ان يصدر رخص قيادة للآخرين، أو يختبرهم في القيادة، كما انه ليس من حق شخص لا يفرق بين «البنادول» و«الفاليوم» ان يقوم بصرف حبة الاسبرين لأي مريض، ومن هذا المنطلق البسيط جدا والواضح فليس من حق شخص لا يستطيع ان ينشئ لنفسه بريدا الكترونيا ان يصرح فيما يصلح وما لا يصلح في الانترنت، ليس من حق شخص لا يفهم آلية عمل منظومة الانترنت ان يطالب بحجب موقع ما لمجرد انه سمع من فلان عن فلان من علان ان هذا الموقع به ما يسيء لنا وطنيا او عقائديا او اجتماعيا.
لا احد يرضى ان تتم الاساءة لعقيدته او وطنه او عائلته بأي طريقة، لكن لابد ان نفهم جيدا ماذا حصل مع اليوتيوب الذي نادى البعض بحجبه، اليوتيوب حكمه حكم القمر الاصطناعي في العرض، هو مجرد موقع بث، لا مصدر رئيسيا للبث وهناك فارق كبير.
الاقمار الاصطناعية كما تبث القنوات الدينية تبث القنوات الهادمة الخليعة، وهذا لا يعني ان نطالب بمقاطعة الاقمار الاصطناعية او اسقاطها او عدم التعامل معها لأننا سننتهي في آخر الحكاية بأجهزة تلفزيونات لا تعرض سوى «تشششششششششش».
اليوتيوب هو قناة بث، لكنه ليس موقعا رئيسيا للبث، اي انه اشبه بجهاز تديره عقول الملايين من البشر ولا يديره عقل واحد او مجلس ادارة واحد، هو مجرد واجهة لكن الوارد له مصدره البشر، جميع الناس على اختلاف مذاهبهم وطوائفهم وعقائدهم وافكارهم، فيهم المتدين وفيهم العلماني وفيهم الملحد وفيهم المؤمن بتناسخ الارواح، وفيهم عابد الشيطان.
يجمعهم مجتمع واحد اسمه اليوتيوب، تأتي افلامه وافكار اصحابه من مصادر عدة من قرية استرالية نائية مرورا بقرى فلبينية وجزر لا نعرف حتى موقعها على الخارطة في المحيط الهندي وانتهاء بغرف مراهقين في الشامية والجهراء والاحمدي والدسمة، لتذهب الى شقة صغيرة في نيويورك وقرية زراعية في مدينة وسكانسون الاميركية حتى تهبط اخيرا في بيونس آيرس، لا حدود جغرافية ولا فكرية ولا دينية، يستقبل خلال ذلك كله موقع اليوتيوب يوميا عشرات الآلاف من مقاطع الڤيديو من كل الملل والنحل والطوائف، سياسية واجتماعية وفكاهية ومقاطع مسلسلات «عيال قرية» و«ستار اكاديمي» وبرامج من قناة المجد ومحاضرات دينية ودروس مشايخ ومقاطع اناشيد، وكذلك مقاطع بريئة واخرى ليست كذلك.
قبل ان نفكر في منع او حجب اليوتيوب علينا ان نفهم ما هو الانترنت ثم نفهم بعدها كيف تعمل هذه المواقع وبعدها نحدد موقفنا من هذا كله، اما ان نأتي بغير فهم كاف لكيفية تحول العالم الى غرفة محادثة صغيرة ونطالب بالحجب فهذا امر غير منطقي.
نعم هناك مقاطع على اليوتيوب فيها ما يسيء على جميع المستويات، لكنها لا تشكل ما نسبته 1% مقابل 99% من المقاطع المفيدة.
والقائمون على هذا الموقع العملاق الذي اشترته شركة «غوغل» بـ 1.65 مليار دولار لا يسمحون بنشر المقاطع الخلاعية او المسيئة من اي نوع، وكل زائر يجد انه تضرر من مقطع ما كل ما عليه ان يفعله هو ان يراسل الموقع برسالة يبين وجهة نظره، وتتم خلال ثلاثة ايام على اكثر تقدير ازالة المقطع، وهذه الآلية تجاوزها «ربعنا» وارادوا ان يحجبوه من وزارة المواصلات بخطاب الى الشركات الموفرة للانترنت، على الرغم من ان مراهقا في الثانية عشرة من عمره يمكنه ان يخبرك كيف يمكنك ان تتجاوز اي نوع من انواع الحجب باستخدام البروكسي.
اتمنى ان تكون الفكرة قد وصلت قبل ان نبدأ بحل مشكلاتنا مع الآخرين عبر اغلاق ابوابنا بوجوههم لنمنع اولادنا الذين يمكنهم ببساطة التسلل من نوافذ المنزل لملاقاة الآخر حتى لو قفلنا الباب ورمينا المفتاح في البحر.