ذعار الرشيدي
سؤال افتراضي ولكنني مضطر لطرحه في ظل الغيمة الطائفية التي تعبر بلادنا كلما ضربتنا عاصفة انتخابية، والسؤال كالتالي: لو كنت كويتيا سنيا وجمعتك مصادفة سفر مع شخصين أحدهما كويتي شيعي والآخر لبناني سني، فأيهما سيكون الأقرب لك، ابن وطنك الذي يخالفك المذهب أم ابن مذهبك الذي يخالفك الوطنية؟
أجزم بان كثيرا ممن سيقرأون هذا السؤال سيظلون حائرين قليلا يديرونه في بالهم، ويمررونه على موظفي احاسيسهم، ثم يقومون بإنشاء لجنة دراسة للموضوع في ادمغتهم ويعقدون مجلس وزراء مع جوارحهم - مجلسا مصغرا - ويستجوبون «أنفه» و«قدمه اليمنى» قبل الاجابة عن هذا السؤال الافتراضي البسيط، والذي لا تتحقق اجابته الا بسؤال هو التالي: «أي هذين الشخصين أكثر انسانية من الآخر؟» لتكون اجابتك كالتالي: «الاقرب انسانيا في معاملته لي سيكون هو الاقرب حتى لو كان من الهنود الحمر الذين يعبدون الطوطم وليس موحدا مؤمنا بالله وان اختلف في مذهبه أو وطنيته عنك».
لا أعرف سببا يجعل الآخر متشككا بالآخر، بحكم مسبق يستند الى أسس مذهبية وطائفية وحزبية وقبلية، رغم ان هناك ما هو أرقى وأنقى وأبقى للحكم على الآخرين وهو انسانيتهم.
الانسانية التي تستشفها من خلال المعاملة هي الأصدق من أي شيء آخر، فابن عمك من لحمك ودمك قد يغشك ويصدق معك غريب، قد يسيء لك اقرباؤك ويعادونك وينصرك بعيدون، ولنا في سيرة المصطفى ( صلى الله عليه وسلم ) خير دليل وكيف ان قريشا لحمه ودمه وعرقه حاربوه ونصره البعيدون من الأوس والخزرج.
لا يمكن ان تتعامل مع أي شخص وفق قالب جاهز محدد بأطر طائفية أو عرقية أو قبلية أو دينية، وإلا كنت شخصا منغلقا وستموت منغلقا، افتح صدرك رحبا الى كل الاطياف وصنف البشر طبقا لطريقة معاملتهم الانسانية لك لا طبقا للونهم او جنسهم او جنسيتهم او مذهبهم ودينهم.
ولو نظرنا الى بلدنا الصغير من منظار الانتخابات لوجدنا انه رغم كل ما نقوله عبارة عن تجمعات وكانتونات بشرية تحدد الناجحين في مجلس الامة، فالدائرة تلك للقبليين وتلك للسنة الحضر وتلك للشيعة وتلك لتجمعات اخرى، ولا تظهر هذه الغيمة بقوة الا في الانتخابات وكأننا نعيش حالة فرقة ابدية، ومشهدا سينمائيا لفرسان قبائل تسن حرابها وسيوفها استعدادا لحرب بقاء، رغم اننا نعيش السنوات الأربع بين الانتخابات والانتخابات في سلام ولا نعرف للنبرات الطائفية ولا القبلية صوتا الا ما ندر.
وفي 17 مايو الماضي عشنا مشهد فرقة وأجواء حرب قبلية - طائفية - فئوية، ودخلت المعركة ألوف مؤلفة من الناخبين تحت رايات القبيلة والطائفة والفئوية، فخرجت النتيجة كما ترون اليوم، لا اقول انها جيدة كما لا يمكنني الحكم بانها سيئة، ولكن هذا المجلس وغيره من المجالس ولد من رحم الحكم على الآخر بحسب «من أين أنت؟»، ولكن لو ان الناخبين رموا تلك الرايات ورفعوا راية الانسانية لرأيت حتما مجلسا افضل ووجوها افضل، ولكان مستقبلنا بالتالي افضل بكثير مما ينتظرنا على يد مجلس ولدته التقسيمات في مجتمع بالأمس فقط بلغ تعداده المليون نسمة.
ما أعرفه عن نفسي انني قبلي، السنة أهلي، والشيعة اقربائي، والحضر عزوتي، والوافدون اصدقائي، والبشرية هي امتدادي، هكذا اعرف الامر ولا اعرف أمرا آخر غير هذا، ومتى ما بدأنا نفكر بهذه الطريقة في ان الانسانية هي كل شيء وان ديننا الحنيف دعانا فقط لئلا نفرق الا بالتقوى سيتحول بلدنا الصغير الى جنة على الارض، كما كان عندما كان أرضا لكل العرب في الخمسينيات والستينيات.