ذعار الرشيدي
في عام 2007 كان معدل التضخم في الكويت 5% وفي عام واحد قفز الى الضعف بل أعلى قليلا، ليصبح في اغسطس الماضي فوق الـ11%، والامر ليس بحاجة الى فهم اقتصادي خارق لنعرف اننا في الكويت امام ازمة اقتصادية حقيقية، وبعيدا عن تداعياتها لابد ان نفهم وعلى ارضية الواقع من خلال تعاملاتنا اليومية حقيقة ما يحدث في البلد، وهو اولا ان السلع تضاعفت اسعارها بأشكال غير معقولة خلال فترة قصيرة جدا، وحتى ان ارجعت الشركات المستوردة موجة الغلاء للمصدر من اميركا وأوروبا واليابان والصين، الا ان هذا غير صحيح، فالزيادة لدينا مصطنعة وغير حقيقية، بمعنى انه اذا كانت الزيادة في بلد المنشأ 3%، تصبح هنا 50% وبشكل مبالغ فيه وفاحش وخطير.
حسنا، لنصدق ان اسباب الغلاء في الكويت سببها زيادات الاسعار في بلدان المنشأ، فنحن بلد يستورد كل شيء تقريبا من الابرة حتى الطيارة، حتى ازياؤنا الوطنية وتذكاراتنا التقليدية التي نقدمها لضيوفنا في المناسبات الرسمية جميعها إما صنعت في الصين أو صنعت في كوريا، ولكن ما لم افهمه من التقرير الاقتصادي الذي نشرته «رويترز» الشهر الماضي حول معدل التضخم في الكويت هو ارتفاع تكاليف السكن، هل نستورد الشقق، طبعا لا، وهل نستورد المجمعات التجارية، لا أبدا، فلم اسمع عن تاجر استورد مجمعا تجاريا ولا حتى بيتا عربيا ليؤجره لمجموعة من البنغال في الحساوي، بل لم اسمع حتى عن استديو عزاب تم شراؤه من الصين الشعبية، إذن من أين أتت زيادة تكاليف السكن وارتفعت اكثر من 10% في 6 أشهر بل 25% في كثير من المناطق خاصة الاستثمارية، وأصبح ملاك البنايات يطالبون بدفع 200 بدلا من 150 دينارا في الشهر، وهو رقم أعلى بكثير من 10% التي جاء ذكرها في التقرير، انا لا اتحدث عن مجمعات بنيت حديثا بعد زيادات اسعار الاسمنت والحديد، بل اتحدث عن بنايات سكنية عمرها تجاوز الـ20 عاما وبنيت عندما كان طن الحديد بـ50 بيضة، والتي بدا ملاكها زيادات غير طبيعية على السكان.
والاغرب هي زيادة تكــــاليف المــــــواصلات التي تطرق اليها التقرير ايضا، رغــــم انــــنا لم نقم بزيادة سعر البنزين، فمن أين جــاءت الزيادة؟
القوة الشرائية للدينار بدأت تصل الى مستويات لم يصلها في تاريخه، وحتى نكون قريبين من توضيح الصورة، ما كنت تشتريه بدينار عام 1991 صار لا يمكنك ان تشتريه بدينارين في عام 2000، انا هنا وبعيدا عن أي تعريفات اقتصادية أو تقارير عن التضخم افهم ان القوة الشرائية للدينار تراجعت 50%، فدينار عام 2000 بالكاد يساوي نصف دينار من دنانير عام 1991، ولكن اليوم تراجع كل شيء الى مستويات متدنية وبلغ التضخم حدا كبيرا، ومهما حاولت الحكومة الحد منه عبر دعم السلع وغيرها من الحلول المؤقتة التي تصب في النهاية في جيب التجار، الا ان الزيادات في البلد غير منطقية وتحديدا السكن.
لنتحدث بالعامي الفصيح، المشكلة داخلية ولم تكن يوما خارجية او من بلدان المنشأ، والغلاء المصطنع والزيادات غير المبررة هي سبب التضخم، كل شيء من الداخل، سببنا «منا وفينا»، والا كيف تزداد الايجارات بأشكال غير مسبوقة ونحن لم نستورد شققنا ولا منازلنا لا من الصين ولا من كوريا أو من جنوب افريقيا؟ وكيف تزداد تكاليف التاكسي ولم يزد سعر البنزين محليا فلسا واحدا، ولم تتغير مرتبات سواق التاكسي ولم تفرض ضرائب على شركات التاكسي الجوال وغير الجوال، افهم ان غلاء المعيشة يؤثر بشكل عام على أي تكاليف اخرى مرتبطة بالبشر، ويمكن ان تزيدها 3% او حتى 5%، ولكن زيادات الايجارات غير معقولة وغير منطقية وغير مبررة فقد ازدادت بنسب تراوحت بين 20 و30% فهل من عبقري اقتصاد يمكنه تفسيرها لي؟
قلت ان ما كنت تشتريه بدينار في عام 1991 صار لا يمكنك ان تشتريه بدينارين في عام 2000، واليوم لا يمكنك ان تشتريه حتى بـ5 دنانير.
الحكاية بدأ حقيقة منذ بداية العام الحالي عندما بدأ كل شيء يرتفع بشكل جنوني، كنت اشتري لوازم الثلاجة الاسبوعية بما يقارب الـ30 دينارا، الآن لا يمكن ان اشتري ذات الحاجيات بـ50 دينارا، هناك زيادة 20 دينارا هبطت من السماء ولا أحد يجد لها تفسيرا، وكلما استفسرت قالوا لي «لقد زاد النفط»، حسنا لقد هبط سعر برميل النفط في أواخر التسعينيات الى ما دون الـ10 دولارات وبقي كل شيء على حاله، فلماذا زاد كل شيء عندما زاد؟ ألم يكن من المنطقي ان اشتري السيارة الاميركية في أواخر التسعينيات بـ2000 دينار (وهي الآن تساوي 10 آلاف دينار).
لست خبيرا اقتصاديا، ولكنني فيما يخص محفظتي أنا أكثر دراية من مستشاري بنك ليمان براذرز واعلم مائتي مرة من محافظ البنك الدولي.
وفي النهاية اعتقد انه وفي ظل التصاعد غير المنطقي والمعقول للتضخم في البلد سيضطر البنك المركزي وخلال اقل من 12 شهرا الى التفكير جديا في اصدار ورقة نقدية من فئة 50 دينارا، فليس من المعقول ان تذهب الى الجمعية التعاونية بـ300 دينار لتشتري «الماجلة» الشهرية لمنزلك، لأن المحفظة حتما ستتمزق، واقترح الاسراع بهذه الفكرة فمحافظنا لم تعد تحتمل كل هذه العشرات التي بدأت تتحول الى دنانير من حيث قوتها الشرائية.