ذعار الرشيدي
«آلة الزمن» هي أشهر روايات الكاتب الإنجليزي الشهير «هـ. ج. ويلز» رائد أدب الخيال العلمي في العالم، مختصر فكرتها أن عالما في القرن التاسع عشر يتمكن من اختراع آلة يستطيع بواسطتها أن يعود بالزمن إلى الوراء سنوات أو أشهرا أو أياما بحسب ما يريد، وكان سبب اختراع العالم لهذه الآلة العابرة للزمن لكي يمنع مقتل خطيبته والذي حدث قبل شروعه في اختراع الآلة بأشهر فأراد أن يغير الزمن بالعودة إلى الماضي.
ولو قدر لي أن أحصل على آلة زمن كالآلة التي تحدث عنها ويلز في روايته، يعلم الله أن لدي ما لا يقل عن 10 أشياء أريد العودة إلى الماضي من أجل تغييرها، وهي عامة أشياء شخصية، رغم أنني راض تمام الرضا عما وصلت إليه في حياتي، ومن هذه الأشياء ألا أدرس في مدرسة حكومية وألا أشتري سيارة مستعملة حتى ولو كانت موديل السنة.
ولكن ماذا لو كانت هذه الآلة بيد الحكومة الكويتية؟ ما الذي كانت ستفعله حكومتنا بآلة كهذه؟ أعتقد أن مجلس الوزراء لو اجتمع في يوم وبحوزة أعضائه هذه الآلة لقضوا يومين كاملين يصلون الليل بالنهار من أجل وضع قائمة بالأشياء التي يريدون تعديلها في تاريخنا السياسي.
ولكن إليكم ما سيحدث لو لا قدر الله ووصلت مثل هذه الآلة العجيبة إلى حكومتنا ستقوم الحكومة أولا بإنشاء لجنة وزارية لدراسة الآلة ولجنة أخرى لدراسة جدواها ومدى مطابقتها للسياسة العامة للدولة، ومن ثم يقومون بإرسال كتيب المستخدم إلى الفتوى والتشريع لمعرفة مطابقة فقراته للقانون، وبعدها يقومون بطرح عقد تشغيلها في مناقصة عامة ومن ضمن الشروط أن تكون الشركة التي ستحصل على كراسة المناقصة مدرجة في اللجنة المركزية للمناقصات، وستضم المناقصة شرطا يُمكّن من ترسو عليه المناقصة من استقدام 1000 عامل «لا أعلم لماذا ولكن نصف مناقصات الدولة الحيوية لابد أن يكون بها بند استقدام الآلاف من العمالة ويسألوننا لماذا هناك خلل في التركيبة السكانية؟».
وبعد أن تنتهي الحكومة من عمل دراسة جدوى الآلة ومطابقة تشغيلها وكتيبها للقانون الكويتي وترسو مناقصة تشغيلها على شركة «ثقيلة»، تبدأ الحكومة بالبحث عن أرض تخصصها للآلة الزمنية، ويدخل أمر تخصيص الأرض في إشكالية بين شركة النفط ووزارة الدفاع، وطبعا بعد أخذ ورد طويلين بعرض الموضوع على المجلس البلدي الذي يمكن أن يخصص أرضا لتشغيل الآلة بعد 300 جلسة لأن ثلاثة أرباع جلساتهم انسحابات، وبعد هذا كله وبعد أن يكون قد مضى على بداية مناقشة مجلس الوزراء لاستخدام الآلة 15 عاما، وتكون بهذه الحالة قد تغيرت من 9 إلى 12 حكومة (بين تدوير وحل وتشكيل مع انتهاء كل فصل تشريعي) وما لا يقل عن 4 مجالس نيابية مختلفة «حسب تساهيل الحل والإكمال»، ثم تعرض على مجلس الأمة الذي سيدور به نقاش طويل عريض يمكن أن يمتد لأكثر من 10 أدوار انعقاد، هذا يحرّمها وذاك يحللها وثالث يدافع عنها ورابع يصفها بأنها آلة شيطانية وخامس يأتي من آخر الصف لينعت مشروع تشغيل الآلة الزمنية بأن وراءه شبهة «تنفيع»، وينقسم الشعب إلى 4 معسكرات، معسكر يدافع عن الآلة والثاني يرفع لواء شبهة «التنفيع» وثالث يطرحها أمرا محرما والرابع يرى أن المعسكرات الثلاثة ما هي إلا ألوية تتصارع سياسيا بسبب دينار محروق.
سيكون بعد هذا كله قد مضى 22 عاما منذ بدء دخول فكرة هذه الآلة إلى مجلس الوزراء، بعد 22 عاما ستكون الآلة الزمنية تباع في محلات أبو 100 فلس لأنها أصبحت اختراعا علميا قديما في عام 2030، ذلك العام الذي سنكتشف فيه أننا أضعنا 22 عاما على أمر كان يمكن أن يحل بقرار حاسم وحازم وفوري يحسم المسألة برمتها في نصف ساعة فقط، دون أن ندخل دوامة صراعات سياسية «أعادت بلدنا إلى الوراء 25عاما».
هل تصدقون أننا عدنا فعلا إلى الوراء 25 عاما دون حتى أن يكبس أحد على زر آلة الزمن.