ذعار الرشيدي
عندما يتحدث معك شخص كوزير الإعلام الأسبق محمد ابو الحسن فعليك أن تحسن الإنصات وإلا فاتك الكثير مما سيقوله خاصة إذا ما كنت تريد أن تقتبس من كلامه لمقالتك، ذلك لأنه رجل يجيد ترتيب الجمل بأفكار متناسقة وحجة مقنعة لأي موضوع يتحدث فيه ويمكن أن يشرح وجهة نظره كاملة بحججها في 5 دقائق، فما بالكم وهو يتحدث عن موضوع يمسه شخصيا إبان كان مندوبا دائما للكويت في الأمم المتحدة؟! وهو ما حصل عندما فوجئت بصوته المميز على هاتفي النقال الأسبوع الماضي ليشرح لي وبشكل رسمي سبب المخالفات المرورية الكثيرة التي سجلت ضد وفد الكويت ما جعل متوسطها يصل إلى 246 مخالفة مرورية غير مدفوعة وصنف الكويت كأكثر البلدان فسادا بناء على تقرير كتبه باحثان أميركيان ربطا بين كثرة مخالفات البعثات الديبلوماسية وفساد بلدانها، ونشر جزء من التقرير في مجلة «فورن بولسي» الأميركية، وهو الأمر الذي نفاه في مقالتي السابقة أحد كاتبي التقرير «المخالفاتي» بعد اتصالي به في مكتبه في جامعة كاليفورنيا وقال لي بالحرف الواحد «لولا الخطأ الذي حصل في تخصيص موقف بين بعثتكم وإدارة مرور نيويورك لما سجلت ضدكم أي مخالفة ولما كنتم في تقريرنا اصلا» أما أبو مهند في اتصاله الذي أورد جزءا مقتبسا من حديثه معي فقال: «إن حقيقة تسجيل هذا الرقم الكبير ضد أعضاء بعثتنا سببه عائد إلى ضيق الأماكن المخصصة للوقوف قرب مبنى الأمم المتحدة، وحصلت حولها إشكالية وتم تخصيص موقف للبعثة الكويتية وكان ذلك قبل انتهاء عملي كمندوب دائم للكويت في الأمم المتحدة بثلاث سنوات، والمشكلة أن الموقف الذي خصص للكويت كان موقفا واحدا فقط من أصل خمسة مواقف، وقبلنا به بعد التوصل إلى اتفاق بهذا الشأن مع بلدية المدينة التي تعتبر أكثر بلدان العالم ازدحاما، لنكتشف لاحقا أن المكان المخصص لنا كان يأخذه ديبلوماسيو بلدان أخرى في شارع يعتبر من أضيق شوارع منهاتن، ما كان يضطر ديبلوماسيينا إلى الوقوف كصف ثان بالقرب من الموقف، ولم يحصل أن تحركت إدارة المدنية رغم كثرة الشكاوى التي قدمنا بتقديمها حول موقفنا الذي أصبح متاحا للجميع ويستخدمه كثير من الديبلوماسيين وليس ديبلوماسيي بلدنا، لذا بدأ أعضاء الشرطة بتسجيل المخالفة تلو الأخرى ضد أعضاء بعثتنا، رغم وجود اتفاقية جنيڤ الخاصة بمعاملة السفراء وممثلي البعثات الديبلوماسية ولكن نيويورك مدينة مزدحمة وتحديدا منهاتن حيث كان هناك مقر بعثتنا وسكن أعضائها، وهو ما وضعنا في دائرة تسجيل المخالفات رغم وجود موقف مخصص لنا كنا نعجز عن استخدامه بسبب سوء التنظيم».
ويمضي أبو مهند قائلا: «اجتمعت مع مسؤولي بلدية منهاتن شخصيا ووعدوني بالرقابة وهذا لم يحصل وكنا نتعرض لتسجيل المخالفات تلو الأخرى « أما الجانب الذي لا يعرفه أحد فهو ما يشرحه قائلا: «بعد نشر تقرير كوننا بلد الديبلوماسيين الأكثر تسجيلا للمخالفات لم تكن هناك صحيفة أميركية إلا تناولتنا بكل ما هو سيئ ولا اذكر إلا أنهم أظهرونا كبلد للفساد، رغم أن أحدا لم يتحقق من السبب الحقيقي وراء تلك المخالفات، فنحن ديبلوماسيون ولسنا من هواة كسر القانون ولم نكن كذلك يوما، وأشكرك جزيل الشكر على وصولك لأحد كاتبي التقرير في مقالتك السابقة والذي أوضح حقيقة المخالفات بتصريحه والذي كنا بحاجة له لنثبت أننا لسنا بلد فساد»، إلى هنا انتهى اقتباسي لجزء من محادثة الأخ الكبير والديبلوماسي المخضرم أبي مهند الذي استأذنته بنشرها وقبل حبا وكرامة.
أتذكر أنه قبل اكثر من عام عندما نشر التقرير لم أطلع عليه ولم يصلني إلا متأخرا، أن كثيرا من المدونين الكويتيين تناولوا الموضوع بطريقة «جلد الذات» ومارسوا ضد بلدهم الكويت شتى صنوف النقد الجائر بجمل تبدأ بـ «شوفوا بلدنا» و«شوفوا فضايحنا» و«بلدنا رايحة فيها» رغم أن بلدنا بخير ونحن بخير وديبلوماسيينا معروفون في معظم دول العالم بأنهم الأقل تسجيلا لأي إثارة من أي نوع إلا ما ندر، نعم «الخارجية» لم ترسل ملائكة في بعثاتها ولكنها على الجانب الآخر لم ترسل شياطينا، لقد أرسلت بشرا يخطئون ويصيبون وأعتقد أننا أقل البلدان تسجيلا في قائمة محاسبة الديبلوماسيين.
بعد مكالمتي مع الأخ الكبير محمد ابو الحسن المستشار في الديوان الأميري اكتشفت أمرين هامين الأول أن الديبلوماسية الكويتية خسرت رجلا يمتلك من المنطق والحجة والثقافة ما يوازي خمس بعثات ديبلوماسية مجتمعة، وبرحيله عن وزارة الإعلام خسر مشهدنا السياسي المحلي رجلا كان يمكن أن يكون مفصلا للميزان السياسي وصمام أمان وما أحوجنا لصمام كهذا في وقت كالذي تمر به بلدنا هذه الأيام.