ذعار الرشيدي
العرب بجميع شرائحهم استبشروا خيرا بفوز أوباما، ساسة ومثقفين حتى ان أحدهم كاد أن «يزغرط» على الفضائيات فرحا لفوز الأسمر النحيل بمنصب رئيس أعظم دولة في العالم، كلهم يعول على أن أميركا ستتغير وأن العالم سيكون مكانا أفضل بعد أن جاء أوباما على ظهر الحمار الديموقراطي الذي قضى على فيل الجمهوريين، القيادات والأحزاب السياسية العربية والمجاميع الثقافية في خطاباتها اختزلت أمة أميركا بشخص أوباما.
الخطابات العربية السياسية والثقافية وحتى خطاب رجل الشارع العادي فضحت العقلية العربية التي تربينا عليها منذ قرون وهي أننا نختزل الأوطان بشخوص محددة، وكأن أوطاننا تبدأ وتنتهي بشخص واحد.
أوباما ليس سوى جزء من كل، وأميركا لا تختزل برئيس جاء أو رحل، وإلا لكانت تحولت إلى بلد من بلدان العالم الثالث منذ عقود، وهو ما جعلها رأس العالم الأول وجعلنا نحن في قاع العالم الثالث.
مجيء أوباما إلى الحكم لن يغير السياسة الأميركية كما يتوقع ويتصور العرب الذين أسعدهم ذلك الخبر وطاروا به كما لو أنهم استلموا كتبهم بيمينهم.
الشعب الأميركي وباختياره لأوباما قدم رسالة أخرى مختلفة عما ذهب إليها أخوة التراب العرب، الشعب الأميركي وبهذا الاختيار أراد أن يقول للعالم ان بلدهم لا يزال منذ إنشائه أرضا للفرص، وأن ديموقراطيته تتجدد كما تتجدد الدماء في العروق، أمة ترفض الموت، جازمة بأنها لم تعش يوما واحدا أسيرة للماضي وتركات مئات السنين.
بنو يعرب الذين خاطبوا أميركا اختزالا بشخص أوباما خاطبوها من منطلق فهمهم للأشياء ومن منطلق واقعهم الذي يجبرنا على أن نختزل كل الأشياء في شخص واحد، متناسين أن الولايات المتحدة الأميركية بلد تقوده مؤسسات تسير وفق أنظمة وقوانين لا يمكن الحياد عنها ولا يقوده شخص أو اثنان بل ولا يقوده حزب واحد، حتى لو سيطر على البيت الأبيض والكونغرس معا.
الولايات المتحدة لم تصبح الدولة رقم واحد لأن شخصا واحدا يقودها، ولم تصبح واحدة من أعظم الأمم في التاريخ لأنها ترفض الاختزال في شخص.
وسواء جاء باراك أوباما أو رحل، فستبقى الولايات المتحدة كما هي، كل ما سيتغير هو جزء من العقلية التي تدير السياسة الأميركية، أوباما لا يمثل سوى جزء، نعم لهذا الجزء تأثير كبير في فترة قد تمتد إلى 4 سنوات، ولكنه ليس كل شيء، ولم تكن الولايات المتحدة الأميركية يوما بإمرة شخص واحد، بل كانت ولم تزل تؤمن بأنها دولة مؤسسات وحرية وديموقراطية تجمع كل هذه الأشياء في قالب استطاعت أن تبهر به العالم قبل أن تحكمه به.
واحد من أعظم الكوميديين في العالم الأميركي الأسود ريتشارد برايور في حفلته الكوميدية التي أقيمت عام 1983 في أريزونا قال: «شاركت كبطل إلى جانب كريستوفر ريف في فيلم سوبرمان الثالث، واستقبلني الرئيس الأميركي رونالد ريغان.. هل تصدقون أنه صافحني بجفاء، بينما احتفى بزميلي الأبيض الذي يؤدي شخصية سوبرمان بحفاوة؟! لابد أن هناك خطأ صدر مني أو أن هذا الرئيس مازال يعيش في عقليته الجنوبية».
رحل الكوميدي العبقري برايور عن العالم ولكنه لم يعلم أنه بعد مرور 25 عاما على جملته التي أطلقها على سبيل الفكاهة سيأتي أحد أبناء جلدته ويصل إلى سدة البيت الأبيض بعد أن تغيرت العقليات إلى الأفضل.
السود حصلوا على حقوقهم المدنية في الولايات المتحدة الأميركية عام 1965، وبعد 43 عاما وصل أسود إلى سدة الحكم، والعرب ومنذ استقلالهم عن البلدان التي كانت تحتلهم أو تضعهم تحت الانتداب لم يفعلوا شيئا سوى أنهم انتظروا حتى فاز أوباما لـ«يزغرطوا»!