ذعار الرشيدي
هنالك فارق كبير بين الرقابة والوصاية، وغالبا ما يتم خلط المسميين بشكل غير مبرر ولكن في الكويت نجد أن الخلط بين المسميات أمر وارد، بل ومستحب وفي قول حكومي آخر أنه «واجب».
والرقابة في الكويت وخاصة على الكتب وأفلام السينما هي أقرب في ممارستها من الوصاية، فكأن الرقباء في حذفهم لمشاهد السينما ومنع الكتب يقولون لك ماذا تشاهد وما يسمح لك بقراءته، وما لا يسمح لك بالاطلاع على عنوانه، هنا تتحول المسألة من رقابة إلى وصاية، وكأننا في معسكر للإصلاح الشيوعي.
الوصاية في مفهومها العام هي أن الموصى بهم (أي نحن المواطنين الأفاضل) لدينا نقص في التفكير ولا نمتلك القدرة الكافية للحكم على الأشياء، أي بالعربي ان إدراكنا ناقص، وعليه سعت الحكومة إلى إكماله بوضع أوصياء علينا وهم الأعضاء الرقباء الموقرون في وزارة الإعلام، ليشطبوا ذلك العنوان ويمنعوا ذلك الكتاب ويلغوا هذا المشهد ويحذفوه، بارك الله فيهم ولهم وبهم ووسع لهم في مداخل رزقهم، ولو كان هؤلاء الرقباء الأوصياء علينا يعملون وفق قواعد ثابتة وقانون منظم للممنوع والمسموح، لوسعنا دعاءنا لهم، وطلبنا من الله العلي القدير أن يوسع «بآبئ» أعينهم (وبالمناسبة بآبئ هي جمع بؤبؤ وهو جمع لايزال محل خلاف في مجمع اللغة العربية إذ لم يتوصل علماء اللغة المعاصرون الى الجمع الصحيح لبؤبؤ حتى اليوم).
لن أطعن في الرقباء فهم بشر في النهاية، مأمورون بوزيرهم ولوائح وزارتهم التي لا يعرف عنها أحد شيئا، ولا يعلم أحد لماذا يمنع هذا ويسمح بذاك، ولو طالبتهم ككاتب بتزويدك بقائمة الاشتراطات الموجبة للمنع أو الفسح لما قدمها لك كأحد، وكأنك تطلب نسخة من بروتوكولات حكماء صهيون.
في زمن الانترنت والانفتاح العالمي لا معنى لرقابتكم، فالمشهد الذي قمتم بقصه من شريط الفيلم السينمائي يمكن لطفل في الثانية عشرة من عمره أن يشتريه بفيلم دي في دي متكامل على قارعة أحد أرصفة سوق المباركية، والفيلم الذي قمتم بمنعه من الدخول يمكن لمراهق أكمل لتوه عامه الثامن عشر أن يقوم باستخراج بطاقة ائتمانية وشرائه من موقع أمازون أو آي باي، ويصل له على بريده الخاص، بل يمكن لمراهق آخر يصغره بعامين أن يقوم بتحميل الفيلم كاملا عن طريق الشبكة العنكبوتية ضاربا برقابتكم عرض الحائط لتسقط متعثرة بخيوط الشبكة بعد أن أعياها التفكير المتحجر الذي حبستموها بداخله سياسيا.
على جانب سياسي بعيد عن المنطق الذي تحدثت به آنفا، لا ألوم وزارة الإعلام ولا رقباءها، فنحن في بلد يمكن أن تهتز أركان حكومته فقط لو أن محلا في آخر الجليب قام ببيع لعبة ڤيديو منسوخة لـ «حرامي السيارات»، لا ألوم وزير الإعلام إن شدد في مثل هذه الإجراءات وفي البلد حفنة تريد أن تفرض رأيها على الجميع، فلا رأي سوى رأيها ولا يحق للآخرين مشاهدة سوى ما يسمحون هم بمشاهدته، بل يلجأون إلى التهديد بالاستجواب فيما لو أن مجلة أجنبية ما احتوت صورة ما يعتقدون أنها مخلة، والمنطق يقول «كما أن أحدا لا يمكنه أن يجبرك على شراء تلك المجلة فلا أحد يمكنه أن يجبرك على عدم قراءتها بسبب صورة».
يعتقد هؤلاء الأوصياء وأتباعهم المصفقون أنهم يسعون لجعلنا مجتمعا ملائكيا، بينما نحن بشر مثلنا مثل مئات الشعوب، نخطئ ونصيب، ونجرب لنعيد تصويب أنفسنا، عبر الحراك والتغير وتحريك الثوابت، أما أن يحاول قلة أن يحبسونا في قوالب تفكيرهم الجاهزة التي يعود تاريخها إلى مئات السنين فهذا ما لا نرضاه ولا نقبل به.
مشكلتنا لم تكن يوما في رقابة الإعلام، ولكنها في الأوصياء السياسيين الذين نصبوا عقولهم لتفكر نيابة عنا وعيونهم لتشاهد نيابة عنا، وعلينا أن نسلمهم عقولنا وأعيننا فقط لأنهم يريدون ذلك، ويرون أن العالم كله ذاهب إلى الجحيم ووحدهم هم الذين سيدخلون الجنة من أوسع أبوابها، وحدهم هم على طريق الحق والآخرون يتخبطون على طرق الخطيئة.
كفوا أيديكم عن المجتمع وارفعوا أوراق وصاياتكم، فلن يقبل بكم المجتمع، ولم يقبل بكم أصلا.
كلمة من القلب:
شكرا لمجموعة «صوت الكويت» التي نشأت على أيدي سيدات فاضلات، هدفها الوحيد هو تأسيس مفهوم الحريات الشخصية والعامة التي كفلها الدستور والدفاع عنها والذود عن حياضها، وهي الحريات التي يريد البعض أن يسلبها تحت دعوى ألف رداء ورداء، تارة بداعي الدين واخرى بدعوى حماية العادات والتقاليد وتارة ثالثة بدعوى الإصلاح.
كفوا أيديكم عنا وعن عقولنا وعن تفكيرنا وعن أعيننا، فالمجتمع الكويتي ومنذ نشأته الأولى لم يشهد في تاريخه دعاة وصاية عليه كما شهد في السنوات العشر الماضية.