ذعار الرشيدي
لم أفهم معنى السياسة التي استخدمتها الإدارة الأميركية في العراق وأسمتها بـ«الفوضى الخلاقة»، حتى وجدت أطناب تلك الفوضى الخلاقة تضرب أوتادها في بلدي، لا على يد الأميركان بل بأيدينا نحن.
وبحسب ما يذكر الباحث المغربي يحيى اليحياوي في عرضه لأصل مصطلح «الفوضى الخلاقة» أنه استنبط مقولة وردت في كتب أحد أهم الكتاب النمساويين في القرن العشرين جوزيف شامبتير، وقام اليحياوي بعرض أجزاء من كتابه «الرأسمالية والاشتراكية والديموقراطية» وكيف أن الولايات المتحدة وعلى لسان كوندوليزا رايس ـ والكلام لايزال لليحياوى ـ استخدمت الفوضى الخلاقة في العراق ولبنان والسودان ومصر وكانت تقوم على إثارة الفتنة الطائفية لتكوين مثل تلك «الفوضى الخلاقة».
في الكويت لا أعرف من يسعى وراء الفوضى الخلاقة، فلا أحد في الصورة الإعلامية نستطيع رؤية خيوط اللعبة العبثية تقود إليه، ولكن الظاهر لنا هو أن كل الصراعات الأخيرة كانت شرارتها طائفية، وهي البذرة الرئيسية لانطلاقة أي فوضى خلاقة كما يذكر شامبتير في كتابه.
وبحسب تعريف الفوضى الخلاقة من وجهة النظر الأميركية كما أوردها اليحياوي أنها ومع دوران عجلتها لا تترك أمام من يدخلون في معمعتها سوى القبول بأتفه الحلول وأيسرها للخروج بأي شكل كان حتى ولو كان على حساب مصالح أوطانهم بعد أن تكون الفوضى قد أنهكتهم وأضاعت قدرتهم السليمة في الحكم على بديهات الأمور، وهذا ما يحصل في الكويت اليوم تماما.
أما الكاتب الفلسطيني توفيق أبوشومر فيرى أن ميكافيللي هو من أسس نظرية الفوضى الخلاقة ويدلل على ذلك بعرض مقطع من كتاب «الأمير» جاء فيه التالي: «السلم ينتج الراحة، والراحة تتبعها الفوضى والفوضى تؤدي إلى الخراب ومن الفوضى ينشأ النظام».
وسواء كان ميكافيللي أو شامبتير هو صاحب نظرية «الفوضى الخلاقة»، فالمهم هو أنها وصلت إلى عتبات أبواب بيوتنا، وبدأ كل صراع يتخذ الشكل الطائفي أو أنه يبدأ طائفيا أو مناطقيا أو فئويا ومن ثم يتحول إلى صراع تلف الفوضى كل جوانبه، فلم يعد أحد يدري أين يضع رأسه أو من يصدق وسط معمعة يصل غبارها إلى عنان السماء، وينقسم الشعب فرقا، تتبدل أدوارهم بتبدل المصلحة، حتى «تدودهنا» فلم نعد نعرف من الصادق ومن الكاذب ومن معنا ومن ضدنا ومن ضد الوطن ومن معه.
لم يعد بيت الشاعر «كل يدعي الوصل بليلى.. وليلى لا تقر لهم بوصل» هو العنوان الرئيسي لما نعيشه هذه الأيام في زمن الفوضى السياسية المخيفة، لأن لسان حال المواطن العادي هو «لدينا ألف ليلى كل منهن تدعي وصلا بنا ونحن لا نقر لهن بوصل».
«الفوضى الخلاقة» في الكويت أقرب إلى «الدودهة» الخلاقة، والدودهة لغير الناطقين باللهجة الكويتية تعني الضياع المصحوب بالدوخة التي تتسبب بها الفوضى وازدحام الأشياء من حولك، وهو ما اعتبره اختراعا كويتيا 100%، فلا ميكافيللي ولا شامبتير سبقنا إلى «الدودهة الخلاقة».