ذعار الرشيدي
لا يوجد تطبيق واقعي لفيلم «ضائع في الترجمة» للمثل الكوميدي الجميل بيل موراي سوى ما يحدث في العراق منذ العام 2003 وحتى اليوم، حيث اضطرت قوات التحالف للاستعانة بمترجمين عراقيين وغير عراقيين ليكونوا حلقة الوصل بينهم وبين الشعب العراقي، وبحسب تقرير بثته الـ «بي.بي.سي» اول من امس فإن ما لا يقل عن 300 مترجم عراقي قتلوا على مدار الأعوام الخمسة الماضية وأغلب هذه العمليات كان بسبب دوافع انتقامية من قبل مليشيات وأشخاص رافضين للوجود الأميركي.
ولم أشأ أن أتناول شأنا غير محلي لولا أنني التقيت في سفري أخيرا بمترجم عراقي عمل مع قوات التحالف لأكثر من 18 شهرا، وروى لي ما لم يرو ولم تنقله التقارير الإخبارية عن عالم المترجمين في العراق، عالم كنت أعتقد أنه موجود فقط في روايات الخيال العلمي وأذهان كتاب هوليوود، فبحسب ما رواه المترجم لي فإن المترجم يمكن أن يكون حلقة وصل إلى الخير ويمكن أن يكون أيضا حلقة وصل تفتح أبوابا يصعب إغلاقها من الشر الذي يحصد العشرات بسبب خطأ في الترجمة سواء كان مقصودا أو غير مقصود.
وقال لي بالحرف الواحد «بعض المترجمين يتعمدون تضليل أفراد القوة الأميركية التي يعملون معها، بشكل يخدم مصالحهم أو يؤذي خصومهم سواء كانوا خصوما طائفيين أو سياسيين أو حتى خصما عائليا، فينقلون الترجمة بشكل خاطئ أو مقلوب أو حتى ناقص».
وروى لي حكاية عائلة ذهبت ضحية «خطأ في الترجمة» عندما نقل مترجم عن إرهابي قبضت عليه القوات الأميركية قوله ان تلك العائلة كانت تؤويه وتؤوي جماعته الإرهابية، رغم أن المتهم الذي كان يخضع للتحقيق لم يذكر اسم أي فرد من أفراد تلك العائلة التي اقتحمت منزلها قوة أميركية وقتلت الأب في مداهمة سريعة، وعندما اقتيد ابناه المراهقان ووالدتهما إلى مقر التحقيق تبين هرب المترجم، خاصة بعد أن علم بنية القوات الأميركية الاستعانة بمترجمين آخرين، وكان الخطأ في الترجمة قد تسبب في قتل رب العائلة وتشويه صورة القوات الأميركية.
أبونشوان، كما يسمي نفسه، يقول «عملت 18 شهرا كمترجم متنقل مرافق للقوات الأميركية في نقاط التفتيش ورفضت أن أعمل كمترجم تحقيق، وأعلم بحجم الدمار الذي يمكن أن يتسبب به خطأ واحد في الترجمة خاصة في ظل جهل تام من قبل القوات الأميركية باللغة العربية واللهجة العراقية على وجه الخصوص وجهل 90% من الشعب العراقي باللغة الإنجليزية، وهذا برأيي سبب رئيسي في غياب فهم العراقيين للوجود الأميركي حتى إن قلنا انه احتلال ولكنه كان يمكن أن يكون أقل دموية لو كان عالم الترجمة في العراق يعمل بشكل صحيح».