ذعار الرشيدي
هل تتذكرون فرحنا بيوم الجمعة؟ ذلك الفرح الذي خبأته بين حنايا الزمان أيام أعمارنا أسفل تراكمات مشاغل الحياة التي أحالت كثيرا منا إلى أشباه آلات يحكمها الروتين.
نسينا فرحة الجمعة كما نسينا أشياء كثيرة جميلة، كانت الحياة أكثر بساطة من اليوم، وكنا اقدر على تذوق لذة الفرح حتى انني أقسم أنني كنت أكاد أتذوق الفرح على طرف لساني صباح كل جمعة.
كانت الحياة مختلفة، الخميس «نصف دوام» والجمعة عطلة والسبت أول أيام الأسبوع، في يوم الجمعة كنا على موعد مع فيلم الظهيرة هندي أو أجنبي المهم أننا كنا نتسمر أمام الشاشة التي كانت نافذتنا الوحيدة على العالم الخارجي فاغرين أفواهنا حتى تكاد تحلف أنك ترى قعر معدة كل منا، ثم ننشغل بعد انتهاء الفيلم بعد ساعات لتغيب الشمس التي ستعلن مع أفولها نهاية يوم عطلة سعيد آخر، و«تعال رتب الجنطة» وكتبك المدرسة وواجبك المدرسي الصعب وأنت تستحضر وجه مدرسك المتحفز للانقضاض عليك وعلى زملائك الذين اشغلتهم مشاجرات اميتاب باتشان الخيالية عن حل الواجب.
يوم الجمعة كان اليوم المفضل للعب كرة القدم، والالتقاء بأصدقائك أو أقربائك ليبدأ حديث جرد حساب لما عملتموه خلال الأسبوع المنصرم، وكيف أن «حسين بو عين» لم يأت إلى المدرسة لأنه أصيب بالنكاف أو العنقز، نعم كانت مثل تلك القصص أكثر أهمية بالنسبة لنا من «داو كيميكال»، ثم نبدأ وصلة حش بمدرسينا، ولا يجد بعضنا حرجا من رواية مغامراته «التي لم تحدث يوما» أمام أقرانه وجميعها تنتهي بجملة «اي أنا ما أخاف» رغم أن أيا منا كان يخاف من ظل طرف دشداشة صاحبه، أما حكاية «الفتاة التي ابتسمت لي بالسوق ورددت لها الابتسامة بأحسن منها» فكلنا يقولها ويرويها و«يمولحها» رغم أنها لم تحدث يوما ولم تبتسم له حتى «صخلة»، نعم كان أبلغ مغامراتنا مع الجنس الآخر هو مشروع ابتسامة لم تحدث أبدا، وعندما نحكي رحلتنا إلى المخيم تجد أحدنا يرويها وكأنه يحكي قصة «80 يوما حول العالم» رغم أن المسألة طلعة بر وشوي لحم وخيمة و3 كيلو تراب في جيوب دشداشته.
صباح الجمعة كان مختلفا كنا نشعر أن الشمس تستقبلنا بأشعتها تعانق فرحنا أصواتنا التي لم تجرحها «بحة» البلوغ، صخب أطفال يملأ الشارع حياة، كنا نحن من نمنح الشارع روحا بعد أن نوزع أرواحنا في أركانه.
الجمعة المنسية كانت ملتقى كل الأيام بالنسبة لنا، مصب تجاربنا الأسبوعية بحلاوتها ومرارتها، ملاذنا من بقية الأيام نجتمع قرب المدفأة نحاول أن نسبر بأعيننا أغوار الغد، والتي لو عرفناها لتمنينا أن نبقى اسرى لطفولتنا في أي ساعة من ساعات يوم الجمعة المنسية.
كنا أكثر براءة، أكثر نقاء، أقل هموما، أشرح صدورا، كنا أحباب الله، وفلذات أكباد آبائنا نمشي على الأرض، ابلغ همومنا يموت بابتسامة وقمة غضبنا تسقط بكلمة «تطييب خاطر».