ذعار الرشيدي
الخميس الماضي كنت على موعد مع اهم اكتشافات القرن، والذي أنتظر أن يسجل باسمي، وككل الاكتشافات العلمية وعلى خطى «زملائي» المكتشفين باستور ونيوتن واليكساندر غراهام بل، جاء اكتشافي بالصدفة المحضة، ذلك عندما وجدت نفسي وسط دوامة فراغ امتدت من الساعة التاسعة ليلا وحتى الساعة الثالثة بعد منتصف الليل، وكما وقعت التفاحة على رأس نيوتن وقع الريموت كنترول في يدي، وبدلا من أن أكتشف قانون الجاذبية، اكتشفت قانون «اللي عنده دينار محيره يشتري قناة فضائية.. ويبثها»، بدلا من المقولة الخائبة القديمة «اللي عنده قرش محيره يشتري حمام ويطيره».
يقول نزار قباني «الكأس العاشر أعماني» أما أنا فأصبت بالعمى حالما وصلت إلى القناة العاشرة فلم أصل إليها أثناء بحثي في القنوات العربية المنثورة على فضاء العرب سات والنايل سات والهوت بيرد وغيرها من الأقمار حتى أُصبت بعدم القدرة على التركيز، قنوات دينية أناشيد وإفتاء وأدعية وأغان صوفية وقنوات مسابقات تلفزيونية وغنائية وأخرى سياسية وثالثة طائفية ورابعة للتسويق عن طريق التلفزيون وخامسة للطبخ وسادسة وسابعة وثامنة وتاسعة وعاشرة بل وعشرات «للشعر الشعبي»، وأخريات للسحر والشعوذة وخامسة للعلاج بالكي وغير ذلك كله قنوات للمحادثة وقناة إذاعية وغير ذلك كله قناة للدروس الخصوصية، بالاضافة الى عشرات القنوات المتخصصة في تقديم العري غير المنظم، ولا أقصد عري الأجساد قدر ما أعني العري الفكري الفاضح الذي امتلأت به القنوات.
وكل هذا «بصوب» وقنوات الإفتاء المباشر «بصوب»، تخيل في ثلاث ثوان تخرج الفتوى دون تمحيص ولا فحص ولا حتى تمعن او تدقيق وأسئلة على شاكلة «يا شيخ أنا توضأت من ماء المطر اثناء هطوله، هل هذا يصح وضوئي؟»، أو «يا شيخ حلمت اني صرت وزيرا مع انني لا أسرق ولا أتملق؟»، ولم أجد أحدا يسأل «يا شيخ هل يصح ان تأخذوا فلوسنا نظير اتصالنا بكم لتفتونا بما لكم وبما ليس لكم به علم؟».
خلال رحلة ساعاتي الست تجولت على ما يزيد على الـ 170 قناة عربية، لأخرج بنتيجة واحدة، بل الأصح خرجت بسؤال واحد صيغته هي: «متى كان لدينا كل هذا الانفتاح الإعلامي؟»، وان ما يعرض في بعض تلك القنوات يمكن ان يتسبب بـ 15 استجوابا، وتدوير 7 حكومات واستقالة 30 وزيرا على الأقل وحل مجلسين وإحالة 50 مسؤولا إلى النيابة العامة بتهم تبدأ من خدش الحياء العام مرورا بإثارة النعرات القبلية والطائفية وانتهاء بالسرقة والنصب والاحتيال على قنوات المسابقات الفضائية.
أما اكتشافي الذي أنتظر تسجيله باسمي فهو ان العرب شعب «كلمنجي»، شعب «حكي» وبحسب القنوات الـ 170 التي قُدرت لي رؤيتها بعد ان ربطت رأسي بـ «غترتي» خشية انفجاره من اثر الحشو الكلامي الفوضوي الذي امتلأت به جمجمتي على مدار ست ساعات، فإننا إن ظللنا على هذا المنوال فلن نتقدم شعرة واحدة، وسنبقى «الأمة التي ضحكت وتضحك من جهلها الأمم» لأنني لم أجد قناة علمية واحدة متخصصة وسط كومة القنوات الفارغة التي ابتليت بها الأقمار الاصطناعية العربية.