ذعار الرشيدي
في تفسيره لأصل كلمة قرقيعان وبعيدا عن كل التأويلات التاريخية الأخرى للمسمى، وسببه أبلغني العالم الفلكي د.صالح العجيري بأن «الأصل في التسمية هو «القرقعة» ومعناها صوت الضرب على الأواني النحاسية التي كان يجول بها الأطفال والرجال في الأيام البيض من شهر رمضان لهذا سمي بالقرقيعان، وكان القرقيعان قديما للجميع من عمر 5 أعوام وحتى 30 عاما، وليس، كما هو الحال اليوم، خاصا بالأطفال فقط».
وفي جلسة قصيرة مع العم صالح العجيري أعاد خلالها شريط ذكرياته إلى الثلاثينيات من القرن الماضي قائلا: «القرقيعان كان يجري في أيام 13 و14 و15 من شهر رمضان وهي الأيام البيض، والسبب الوحيد لاختيار هذه الأيام أنها أيام مقمرة، إذ كانت البلاد لا تعرف الكهرباء، لذا كان ينتظر الأطفال والرجال أيضا هذه الأيام للتجوال على المنازل طلبا للحلوى».
وأورد العجيري حادثة تاريخية، يبدو ان صفحات التاريخ أغفلتها ولم تأت على ذكرها، هي عندما منعت الحكومة القرقيعان أو بالأصح حظرته على الرجال دون الأطفال قائلا: «في الأربعينيات وما قبلها كان القرقيعان للجميع رجالا وأطفالا من سن الخامسة وحتى الثلاثين من العمر، حتى حصلت مشاجرة كبيرة بين مجموعة من الأطفال من جهة ومجموعة من الرجال من جهة أخرى على أحقية القرقيعان في أحد الفرجان في الأربعينيات ولا أتذكر العام تحديدا ولكنني سمعت بها كما سمعها كثير من أهالي الكويت، وهي المشاجرة التي أصدرت بعدها الحكومة قرارا بمنع الرجال من ممارسة القرقيعان والسماح به فقط للأطفال دون الخامسة عشرة منعا لتكرار الحادثة، وهو القرار الحكومي الذي لايزال ساريا منذ ذلك الحين».
إلى هنا وانتهى كلام وذكريات العجيري عن القرقيعان.
ورغم أن حكاية القرار الحكومي التي أوردها العجيري قد تجاوز عمرها الـ 68 عاما إلا أن هذا القرار يبدو أنه لم يعد ساري المفعول، فهناك في مشهدنا السياسي من يمارس القرقيعان من السياسيين الكبار، وليس في الأيام البيض من شهر رمضان، بل في جميع أيامنا الاقتصادية السوداء التي نعيشها اليوم منذ تاريخ 25 سبتمبر 2008.
فليتوقف بعض أولئك الساسة عن ممارسة القرقيعان السياسي وليوقفوا دق طبولهم على كل شاردة وواردة وكأنهم في سوق عكاظ يبحثون عن عطية من هنا و«تمصلح» من هناك و«دهان سير» من هذا أو ذاك، فالبلد لم يعد في خزينته أو «مكبته» كما نقول بالكويتي الفصيح ما يكفي لدهان سير كل هؤلاء المقرقعين، فدعوا البلد يسير نحو دولة المؤسسات التي نبحث عنها بعيدا عن طائفيتكم وقبلياتكم وفئوياتكم وتقسيماتكم، فعددنا بالكاد بلغ المليون نسمة، وهو رقم لا يقبل القسمة إلا على وطن واحد، أما حساباتكم التي تبحثون عنها فلا حاجة لنا بها، فخففوا الوطء فسعر برميل النفط في طريقه إلى ما دون الـ 30 دولارا، و«قرقعتكم» لم تبن مستشفى أو مصنعا ولم تُعد فلسا من نقودنا التي ابتلعها «دردور» الأزمة الاقتصادية، ولم تملأ سوى جيوبكم أنتم، أما وقد انتفخت ألم يأن لكم أن تتوقفوا عن «القرقعة» السياسية؟