ذعار الرشيدي
لم يكن لدينا في يوم ما في بلدنا الصغير شيء لـ «نكشخ» به على خلق الله من العربان سوى النفط، وسقفنا العالي جدا من الحرية التي رفعناها فوق أعمدة من الديموقراطية التي منحتنا موقعا على خارطة البلدان الديموقراطية كما منحناها نحن بدورنا خصوصيتنا الكويتية الخالصة، فلا ديموقراطيتنا تشبه أحدا سوانا ولا نشبه في ديموقراطيتنا أي شعب آخر على وجه البسيطة، فلاختلافنا طعم لا يشبه طعم اختلافات الجيران ولا الأشقاء ولا الأصدقاء الغربيين من بلدان ما وراء أعالي البحار، ففي بلد يكاد يتعدى مواطنوه المليون نسمة تجد لدينا عشرات الكتل ومئات الآراء والتوجهات السياسية وآلاف المشكلات الصغيرة التي لو اجتمعت في بلد غير بلدنا لمسحته من خارطة العالم، ولكننا قادرون على التكيف مع مشكلاتنا واختلافاتنا بشكل لا يمكن لأحد أن يستوعبه ما لم يكن كويتيا 100% ويعرف ماذا يعني أن تختلف مع أحد في الكويت.
ولخلافاتنا كذلك شكل مختلف في كيميائيته عن عناصر خلافات جميع شعوب الأرض، فبينما يحلون خلافاتهم بالرصاص أو المفخخات أو الأحزمة الناسفة والاعتقالات والقمع، نحل نحن أقوى خلافاتنا بـ «الحل»، وبعدها كل منا يذهب إلى منزله في انتظار فجر جديد للديموقراطية.
عمر النفط في الكويت قارب الآن الـ 70 عاما، وكما يقول الخبراء الجيولوجيون انه سينضب في العام 2025 أي أنه من المحتمل ألا يعيش حتى يكمل الـ 100 عام على أرضنا، وديموقراطيتنا التي أطفأت بالأمس القريب شمعتها الـ 46 ولم يحضر عيد ميلادها إلا قلة ممن لايزالون يؤمنون بالدستور وبأنه الضمانة الداعمة والأساسية للبقاء تماما كما النفط، بل إن النفط لم يكن ليتدفق بشكل متوازن ويصنع دولة الرفاه التي نعيشها لولا الدستور.
الدستور لمن يعتقد أنه مجرد كتاب يحوي مواد تستخدم لأغراض التناحر السياسي، هو أهم وثيقة ولدت على هذه الأرض، وثيقة أبقت الدولة متماسكة حتى عندما تم تعليق موادها وجاء الاحتلال العراقي الغاشم، الدستور هو سر بقاء هذا البلد متماسكا، وأبعده عن رياح المتغيرات الكثيرة التي عصفت ببلدان شقيقة.
فبعد الله سبحانه وتعالى كان هذا الدستور صمام الأمان، هذه الوريقات التي تنظم الحياة في وطن لم يعرف نوعا آخر من الحياة فلا تمزقوها وارفعوا أيديكم عنها.