ذعار الرشيدي
عندما نذهب كمواطنين أو مقيمين لنراجع في أي إدارة حكومية فنحن حتما لا نقصد أن نتسول أو أن نبدو كمتسولين نبحث عن صدقة هناك وكسرة خبز معاملة من هذا الموظف أو ذاك المدير أو تلك المراقبة، ولا يتملكنا اعتقاد بأن الإدارة التي نراجعها تحولت إلى هيئة خيرية تتلقفنا نحن المراجعين الفقراء الضعفاء المساكين بمعاملاتنا التي تبحث لها عن توقيع يتبرع به ذلك المدير أو هذا المراقب، ولم نخرج من بيوتنا رغبة في أن يضيع وقتنا هباء منثورا تتناثر أشلاء دمه على جدران تلك الإدارة الحكومية التي قصدنا مراجعتها مرغمين لكي «يلطعنا» الموظف بالساعة والساعتين والثلاث أحيانا في طابوره «المزاجي» الذي يخضع لكيف بدأ صباحه.
90% من إدارات البلد الحكومية تتعامل مع المراجع كما لو أنه جاء يبحث عن صدقة، وكثير من المديرين والمراقبين ورؤساء الأقسام يتعاملون كما لو أنهم المتحكمون في مصائر خلق الله من البشر فقط لأن حظهم السيئ قادهم إلى مجموعة من الديكتاتوريين الصغار ليتحكموا فيهم وبمصائرهم بجمل تبدأ بـ «ما يصير» وانتهاء بـ «راجعنا بعد يومين» و«وين الطابع» و«هات أوراقك وتعال باچر».
90% من موظفي الدولة الذين يتعاملون مع الجمهور من مواطنين ومقيمين يتعاملون دون معرفة مسبقة بفن التعامل مع الجمهور، وسألت كثيرا من أصدقائي من «الديكتاتوريين الصغار» ووجدت أنهم يعملون منذ سنوات طويلة ولم يتم إدخال أي منهم دورة في فن التعامل مع الجمهور، لأكتشف أن أيا من الوزارات لم تقم ولو بالمصادفة بإدخال موظفيها مثل تلك الدورات الحيوية والمهمة بل واللازمة لأي منشأة إدارية تتعامل مع قطاعات كبيرة من الجمهور، ويبقى التعامل مع الجمهور في تلك الإدارات وفق أخلاقيات الموظف ذلك الذي سرعان ما يتحول إلى ديكتاتور صغير تتملكه نزعة نازية تخرج علينا كمراجعين سواء في طريقة الحديث أو التوجيه أو حتى رمي المعاملة.
ومنذ سنوات وأنا لا أدخل دائرة حكومية إلا وأنا أتخيل أن كل موظفيها بشنبات صغيرة كشنبات هتلر نظرا للطريقة التي يتعاملون بها مع المراجعين، فعلى الرغم من محدودية السلطة التي يملكها في «شخطة» توقيع والذي يقبض عليه آخر الشهر راتبا إلا أنه يتعامل معك كمراجع كما لو أنه أعطاك ذلك التوقيع من تركة «أبوه» و«المنة عليك».
فرسالتي إلى 90% من إدارات الدولة الحكومية بأن يقوموا فورا بإدخال موظفيهم «الهتلريين» إلى دورات متخصصة تعلمهم كيفية فن التعامل مع الجمهور، أو على الأقل أن يجلسوا معهم في اجتماعات أسبوعية ليوضحوا لهم أنه ما تم تعيينهم هنا كموظفين إلا ليعملوا لخدمة البلد عن طريق خدمة المراجعين، وانهم ـ أي الموظفين ـ يمثلون جزءا من منظومة كبيرة اسمها الوطن وأن عليهم أن يتخلوا عن «نازيتهم» في التعامل مع الجمهور، وعلى المديرين والمسؤولين عن القطاعات الخدمية أن يفتحوا ابوابهم لاستقبال الجمهور في حال وردت أي شكوى من أي موظف «هتلري» صغير، ولكن المدير ولأنه مدير لابد أن يغلق بابه ولا يستقبل إلا الواسطة ذات «البشت المقصب».