ذعار الرشيدي
لا أعرف من يمتلك جهاز كشف الولاء في هذا البلد الجميل، فكل يدّعي أنه الأقدر والأعرف والأكثر قدرة على الوصول إلى مكامن النفس البشرية والتغلغل في خلجات الأنفس لمعرفة وتحديد من يمتلك ولاء لهذا البلد ومن لا يمتلك.
نفس لا يمكن وصفه طبقا للمعايير الإنسانية البديهية إلا أنه نفس عنصري تحول وللأسف إلى ميدان عكاظ تتسابق فيه أصوات تنادي بأنها الأكثر قدرة على معرفة من يستحق أن يبقى في هذا البلد ومن لا يحق له ذلك.
ونفس آخر هناك في ميدان عكاظ يدعو لطرد كل من لا يحب هذا البلد من وافدين فقط لأنهم لم يدعو لبلدنا.
أي نفس عنصري هذا الذي يتملك البعض ويسيطر عليهم وكأنهم ممسوسين بجن كراهية الآخر؟!
أي بشر هؤلاء الذين لا تحتمل قلوبهم مجرد احتمال رؤية الآخر إلا بشروط ومعايير يحددونها وفق ما يريدون هم ووفق ما يرسمون ووفق ما يناسبهم وكأن الآخرين رهن «أمزجتهم»؟!
كأن الآخرين ليسوا سوى رقم ينتظر رضاء هؤلاء العنصريون ليوافقوا على إدراجهم في سجلات ولاء الوطن وحبه أو شطبهم متى دعت الحاجة إلى ذلك.
العنصرية البغيضة مصدرها الكراهية، والكراهية نكتة سوداء في وسط القلب لا يمكن إزالتها إلا بأن تعرف كيف تحب الآخر وكيف تتعامل بإنسانية مع الآخر وأن تعتقد أن الآخر مثلك يحس ويشعر ويتنفس ويأكل ويشرب ويضحك ويبكي وليس مجرد جماد تقرر أنت وفق نفسك «العنصري» أين يجب وضعه بحسب معايير فئوية أو مناطقية أو مزاجية بلا قانون، ومزاجية هؤلاء العنصريين الجدد تماما كرياح السرايات، كل يوم لهم رأي وعليك أنت «الآخر المسكين» أن تعرف أين توجههم وتتبع ملة رياحهم حتى يرضوا عنك ويسبغوا عليك نعمة قبولهم لك لتبقى في الوطن بعد أن يضعوك في خانة الولاء التي لا يحدد معاييرها سواهم لا أنت!
لا يعترفون بشراكة الوطن، بل يعترفون بأنهم هم أعضاء مجلس إدارة الوطن والمالكون لنسب كبيرة من أسهم الوطن بينما أنت «أيها الآخر» في نظرهم لست سوى موظف بسيط في قسم أرشيف البلد قابل للاستغناء عنه في أي لحظة ودون إشعار مسبق فقط لأن «مزاجهم» قرر ذلك بـ «شخطة» قلم.
العنصرية هي أم الكراهية وعمة البغضاء ومرضعة الشر وحاضنة الفرقة وربيبة الشيطان ووقود جميع حروب الأرض، وعلى جميع المنادين في سوق عكاظ الكراهية أن يتوقفوا قليلا وينظروا إلى ما تزرعه أيديهم من بذور الرياح، التي لن تثمر سوى عاصفة تأتي عليهم قبل أن تأتي على «الآخر» الذي يطالبون بإقصائه وتحجيم دوره في الوطن واعتباره رقما يسهل الاستغناء عنه في أي وقت.
زراعة الكراهية أسهل وبكثير من زراعة الحب، تلك الزراعة التي تحولت إلى أمر مستحيل في زمن الكوليرا السياسية التي بدأت تنتشر هذه الأيام.
ولم أكن لأكتب لولا أن بعضا ممن أجلّهم وأحترمهم وأعرف حجم حبهم للوطن بدأوا ينتهجون ذلك النهج العنصري بطرق مختلفة حتى وإن كانت حوت دعواهم شيئا من المنطق في بعض ما ذهبوا إليه من تبريرات في دعواهم.
ولكن لأنهم كبار تأتي تصريحاتهم على قدر تقديرنا لهم، في التأثير والقوة، وكنت آمل أن يترفعوا عن مثل هذا الطرح على الأقل ليس في هذا الزمن الموبوء سياسيا.
هؤلاء ممن نجلّهم ونقدرهم ويشفع لهم تاريخ طويل في العمل السياسي كان الأولى بهم ان ينتهجوا سياسية التقريب وزراعة الحب بدلا من زراعة الكراهية في زمن الكوليرا.