ذعار الرشيدي
كان الأول من مارس 1991 يوم جمعة، تنفست أولى نسمات ذلك اليوم مع مجموعة من كتيبة الإمداد والتموين التابعة للجيش الكويتي التي دخلت البلاد منذ اليوم الأول للتحرير في ذلك العام ودخلت مجموعتنا المشكّلة من غالبية من المتطوعين في الجيش الكويتي خريجي الدفعتين الأولى والثانية والثالثة التي تدرب أفرادها في المدينة الشرقية بين شهري أكتوبر وديسمبر من العام 1990 حيث التحق ما يزيد على 3500 شاب كويتي في الجيش في تلك الفترة وأغلبهم دخلوا الكويت المحررة من براثن الاحتلال العراقي «وليس الصدامي» في الأيام الأولى.
ذلك التاريخ كان بالنسبة لي يوم تحرير بلدي وليس أي يوم آخر، حتى إن كان تحرير كامل تراب بلدي قد تم في مثل هذا اليوم في 26 فبراير 1991، وأعتقد أن لكل كويتي ان يعتبر أن يوم عودته إلى الكويت بعد التحرير هو يوم تحرير خاص به ويعتبره ذكرى لا ينساها.
لا أنسى ذلك اليوم انطلقت قافلتنا العسكرية تشق الظلام نحو الكويت، كان الفرح سيد أحاسيس جميع الجنود من نظاميين ومتطوعين، كنت دائما ما أقرأ جملة «وبكى حتى بللت الدموع لحيته» في قصص الصحابة والتابعين، ولم أر تلك الجملة في صورة حية أمامي ولا حتى في الأفلام حتى رأيت رقيب وحدتنا يبكي أثناء صلاة الشكر التي أداها حالما تجاوزنا نقطة النويصيب متجهين إلى وحدتنا في الجيوان تلك الصورة التي يعجز جهابذة التمثيل عن الإتيان بها هزت قلوب جميع من كانوا في تلك الوحدة ولاتزال عالقة في ذهني حتى اليوم وأستذكرها كلما مر هذا اليوم الذي نحتفل فيه بمرور 18 عاما على ذكرى التحرير.
أتذكر للتاريخ أن قائد الوحدة اجتمع بنا قبل توزيعنا على نقاط التفتيش في مختلف مناطق الكويت وقال لنا بالحرف الواحد «إياكم والمساس بأحد أو إهانة أي شخص أو التعرض لأي شخص بأذى سواء كان عراقيا أو فلسطينيا، فمن جاءكم مستسلما فارحموه حتى لو كانت تتملككم نزعة الانتقام ممن احتلوا أرضكم وشردوكم» قام ضابط وحدتنا بإلقاء هذه الخطبة رغم أن البلاد يومها كانت تحت الحكم العرفي.
للتاريخ، أفراد الوحدة التي عملت بها لم يسئ أي منهم لآدمي واحد رغم أننا قبضنا على مجموعة من الجنود العراقيين وغيرهم من المتعاونين، وكنا نقدم الرحمة على عدالة الاقتصاص التي كانت متاحة لنا لأن الضباط الكويتيين كانوا ولم يزالوا بهم الكثير من الإنسانية التي تميزنا كشعب كويتي عن غيرنا.
وللتاريخ، لم نؤذ لا شيخا ولا طفلا ولا امرأة ولا جنديا عراقيا جاء مستسلما بكامل عتاده وعدته، وكانت بعض الحالات الانتقامية التي تحدثت عنها وسائل إعلام غربية وعربية يومها لا تتعدى كونها ممارسات فردية تمت معاقبة مرتكبيها، والدليل أنه لم يصدر عن تجاوزات الكويتيين ضد عراقيين وفلسطينيين سوى تقرير إعلامي واحد بثته قناة أجنبية تحدث فيه 3 أشخاص فقط قالوا انه تم تعذيبهم.
وللتاريخ، حتى الخونة والمتعاونون مع الاحتلال تمت محاكمتهم وتعيين محامين لهم وتسلم القضاء الكويتي المعروف بنزاهته مهمة الحكم عليهم دون تدخل سياسي أو غيره لا أثناء المحاكمة ولا بعدها.
للتاريخ أيضا، غابت البلاد عن الخارطة لمدة 7 أشهر كاملة وتوقفت عن العمل وشلت جميع إداراتها ومؤسساتها ومصانعها ومصافيها وعدنا بحمد الله إلى بلادنا ولم يتغير شيء «اقتصاديا» واليوم يأتي من يريد أن يقنعنا بأن سقوط «جم» شركة سيتسبب في انهيار البلد كاملا، تحت شعار «يا ويلكم يا سواد ليلكم».
إلى كل هؤلاء المولولين اقتصاديا أقول اتقوا الله واستذكروا أن البلد لم يَنْهَر رغم توقف كل شيء به لأكثر من 7 أشهر، فلن يقف البلد على «جم شركة» لا تمثل بثقلها 1 من مليون في اقتصاديات البلد.