ذعار الرشيدي
لا نقول إلى اللقاء بل نقول وداعا للحكومة الخامسة لسمو الشيخ ناصر المحمد، التي لم يتجاوز عمرها 64 يوما محققة باستقالتها رقما قياسيا في قصر عمر الحكومات الكويتية التي كانت في العادة «طويلة عمر» ولكنها لم تعد كذلك وأعتقد أن زمن «طولة العمر» قد ولى إلى غير رجعة.
لا نقول لسمو الشيخ ناصر المحمد سوى شكرا، شكرا من القلب لأنك لم تكابر ولم تدخل في صراعات مباشرة مع الأطراف التي هاجمتك سواء بشكل مباشر أو غير مباشر ولم تخرج عن هدوئك المعهود، وصبرت تحت الضغوط واعترفت بالأخطاء وعالجت ما استطعت أن تعالج، ولم تؤذ أحدا ولم ترد الصياح بالصياح، وكنت رجلا إصلاحيا بكل ما تحمل الكلمة من معنى، ولكن نية الإصلاح وحدها لا تكفي، والتعامل بنبل كما فعلت كأساس في تعاطي السياسي لا يكفي.
ولكن لابد من توضيح أمر هو أن الخطأ الذي وقعت فيه الحكومتان السابقتان أنهما كانتا تتعاملان بمركزية في أوضاع كانت تتطلب التحرك بآلية لا مركزية، وكانت تتحرك بلا مركزية في وقت كان الأمر لا يقبل سوى أن تتصرف الحكومة بمركزية شديدة بدلا من توزيع الأدوار، ففي قضية «الداو» تعاملت الحكومة بمركزية شديدة في حين أن الأمر كان يتطلب أن يناط الدور بالوزير المختص ومؤسسة البترول إلا أن القرار جاء بمركزية ليضرب كل شيء وبالتالي إلغاء المشروع رغم أن الأمور حتى وإن كانت ستؤدي إلى صدام سياسي كانت في الوقت ذاته تسير وفق ما هو مخطط له كمشروع كبير وحيوي أو على الأقل هكذا كنا نعتقد، وفي قضية الأزمة المالية التي لعبت في البلد «طنب» تعاملت الحكومة بلا مركزية وتركت 4 أطراف تتحرك لمعالجتها فتناقضت التصريحات وضاعت «الطاسة» في حين أن الأمر كان لابد أن يكون مركزيا ويناط الأمر برئيس الحكومة فقط ليكون هو وحده المسيطر والمدير للعملية كلها برمتها، فالمركزية في الحالة الأولى أدت إلى إلغاء «الداو» بقرار مفاجئ «بغض النظر عن أنه كان مشروعا ناجحا أو غير ذلك أو عليه شبهات» وفي الحالة الثانية أدت اللامركزية إلى فوضى تصريحات وقوانين وكل وزير يلقي بدلوه ليرتطم بأطراف بئرنا الاقتصادية حتى كادت أن تنهار بسبب تأخر المعالجة.
ومشكلة الحكومتين السابقتين أنهما كانتا نسخة واحدة في كل شيء، عدم التجانس والتصرفات الفردية من الوزراء واستخدام الآليات الخاطئة في الظروف الصحيحة التي كانت تتطلب آليات عمل مختلفة، بل إنه حتى الوزراء كانوا يذهبون للاجتماع الحكومي وهم لا يعرفون ماذا سيبحثون في هذا اليوم وبعضهم كان يعرف ما سيناقش من خلال الصحف، لا من خلال التقرير المسبق الذي كان يرسل للوزراء يوم الخميس السابق للاجتماع حول أبرز النقاط التي ستناقشها الحكومة في اجتماع الاثنين حتى أن أحد الوزراء قال لي «أذهب إلى الاجتماع وأنا لا أعلم ما الذي ستتم مناقشته»
أمر مهم وحيوي آخر تسبب في قتل الحكومة الأخيرة لسمو الشيخ ناصر المحمد وهي المحاصصة، فقد بحت أصوات كثير من المحللين السياسيين بعد استقالة الحكومة الرابعة يدعون لتشكيل حكومة تكنوقراط لا حكومة ولد فلان وتبع فلان وابن قبيلة وخوش رجال ويعرف يسولف.
ما حدث مع سمو الشيخ ناصر المحمد يمكننا أن نختزله تمثيلا بأنه تماما كمدرب عالمي دخل مباراة كرة قدم بـ 22 لاعبا قام باختيارهم وفق نظام المحاصصة ولكن نصفهم لا يجيدون سوى الكريكيت وبعضهم لاعبو تنس ريشة ومنهم من لم «يطق كرة قدم في حياته» ومن بينهم من لم يلعب كرة القدم إلا من خلال «شريط أبطال أوروبا في البلي ستيشن»، وبعد هذا الاختيار المنوع يأتي فريق المحاصصة «الشاكليتي» ليلعب مع فريق هامبورغ الألماني بكامل نجومه، أغلب أعضاء الحكومة الخامسة كانوا يشابهون أعضاء هذا الفريق ومجلس الأمة بشراسة نوابه وقوتهم كانوا يشابهون نادي هامبورغ، فمن الطبيعي جدا أن تكون النتيجة وخلال الـ 5 دقائق الأولى 3-0 لصالح هامبورغ، لذا كان لابد للمدرب العالمي أن يعلن انسحاب فريقه من مباراة كان يمكن أن تنتهي بنتيجة 900 إلى صفر لـ صالح ماكينة هامبورغ الألمانية.
وختاما نقول وداعا للحكومة الخامسة لسمو الشيخ ناصر المحمد لأنني أعتقد أنها لن تعود أبدا، لأن الحكومة السادسة لابد وأن تكون حكومة جديدة بلاعبين سياسيين حقيقيين لتستطيع أن تواجه الماكينة البرلمانية.