مشكلتنا في الكويت أننا نتحدث بمثالية مطلقة خاصة فيما يتعلق بالشأن السياسي ونغرق في بحر وردي من المثالية، الى درجة انه عندما تحصل هزة سياسية ما، من أي نوع، وعلى أي مستوى، تجد الحشود المعلقة ترمي صاحب تلك الهزة بمئات بل بآلاف «الأحجار» بعد ان اغتسلوا من خطاياهم او اعتقدوا انهم اغتسلوا منها.
***
نصور لأنفسنا أننا نعيش في عالم مثالي خال من الشوائب ونعتقد ان أرضنا عصية على أن تنبت شجرة فساد واحدة أو حتى شتلة خطأ سياسي عابر، اعتقادنا هذا وتصويرنا هذا هو ما جعلنا منفصلين تماما عن الواقع، لذا تأتي اغلب الأحكام السياسية غير منطقية.
***
بالأمس اعلن من استجواب لرئيس مجلس الوزراء رسميا استنادا إلى ما صرح به النائب عبدالله التميمي، وبعيدا عن المثالية وصورها التي تملأ شوارع مشهدنا السياسي، على اعتبار ان ما قاله النائب التميمي صحيح، فالمحصلة وفق الواقع المعيش (بعيدا عن المثاليات) ما صرح به التميمي ليس خطأ، وما فعله ويفعله سمو الشيخ جابر المبارك سواء بصفته أو بشخصه ليس خطأ على الأقل، فيما يتعلق بالمساعدات، فمن المعروف لدى كل الكويتيين والمتفق عليه ان الشيوخ يقدمون المساعدات سواء مالية للطلبة الدارسين في الداخل والخارج أو غيرها وتتم المساعدات اما بتدخل نواب او وجهاء او شيوخ من الأسرة أو رجال دين، وهو أمر مستمر ومعروف منذ سنوات ويندرج تحت باب المساعدات، ومثل هذا الأمر يسعى فيه جميع النواب السابقين والحاليين.
***
أما مسألة ان ننزع عنا واقعنا المعيش ونرتدي قلنسوة المثالية ونبدأ بتصوير أحكام نهائية، فهذا أمر لا يستقيم في ظل واقع يؤمن به الجميع ويرونه امرا حميدا في جوانبه الإنسانية كمساعدات، والأمر لا علاقة له لا من قريب ولا من بعيد بشراء الولاءات، خاصة اذا ما اردنا ان نصدر حكمنا وفق مبدأ «حسن النية» الموجب في وضعنا هذا، أما اذا أردنا ان نتبع مبدأ «سوء النية» فكل ما يحدث خطأ حتى اذا كان إلقاء السلام بابتسامة.
***
الأمر الأكثر واقعية ان هذا الأمر قانونا، غير مجرم، لا يوجد نص قانوني واحد يجرم تقديم مثل هذه المساعدات والا اعتبرنا كل شيخ أو كل تاجر يقدم مساعدة مالية من جيبه، يحوي شبهة مصلحة ما، وبما انه لا نص.. اذن لا جريمة، ليس في الأمر هنا تبرئة لأحد، ولكنه الواقع القانوني، فمرحبا بكم في عالم القانون!
***
مثل هذا الأمر يدخل في محاسبة النوايا، وهذا أمر يتعارض مع أبسط المبادئ القانونية الذي ندعو الناس الى اتباعه عند الحكم على أي قضية.
***
عامة ذلك فيما يتعلق بالمحور الأول، أما الثاني فليس دستورياً اغلب الظن.
[email protected]