توجه حميد لبعض النواب الذين بدأوا يتحركون من أجل زيادة الدعم للمتقاعدين وهو الخبر الذي أوردته «الأنباء» في عددها أمس حول نية مجوعة نيابية لتقديم مقترحات لزيادة دعم أبناء هذه الفئة أو إعفائهم من الرسوم الحكومية المختلفة، والحقيقة أن هذه النية جاءت متأخرة جدا، ويفترض أن تتم إضافة مقترحات أكبر للمتقاعدين، وأهمها اليوم هي زيادة رواتبهم بشكل استثنائي، خاصة أن أكثر من 70% من المتقاعدين استقالوا من أعمالهم قبل الزيادات الأخيرة ما جعل رواتبهم أقل من نظرائهم المتقاعدين الذين تقاعدوا بعدهم، ولنأخذ مثالا بسيطا وواضحا من متقاعدي «الداخلية» مثلا منهم من تقاعد قبل قرار الامتيازات ومنهم من تقاعد بعده، فمن تقاعد بعده حصل على جميع الامتيازات ولكن من تقاعد قبله خسرها كلها.
وهناك أيضا عمال النفط، هناك من تقاعد قبل امتيازات عمال النفط وهناك من تقاعد بعده أيضا، ووقعت ذات المشكلة، وهناك متقاعدون خرجوا من الخدمة ورواتبهم أكثر من 2300 دينار ولكن اليوم لا يحصلون إلا على نصفها، ومع النصف أغلبهم لايزال يدفع قسط منزله الذي حصل عليه بعد 14 أو 16 سنة من الانتظار، أي أن راتبه بعد الخصومات لن يتجاوز الـ 600 دينار ومع حسم الأقساط والالتزامات والكهرباء والماء فلن يتبقى له سوى أقل من 250 دينارا، وأغلب المتقاعدين على هذه الحالة، قضوا أكثر من 25 عاما «طرق المعاش» وخرجوا من العمل براتب «لا يكاد يكفي الحاجة».
***
المتقاعدون هم الشريحة المنسية في الكويت، بل إنهم الشريحة المطحونة بحق، رغم أنه يفترض أن تتم معاملتهم من حيث الامتيازات المالية بشكل أفضل، خاصة في ظل قانون التقاعد الجديد الذي لا يتيح للموظف الكويتي التقاعد إلا بعد أن يكون قد حمل معه 23 مرضا مزمنا و6 أمراض قاتلة، ليخرج بعدها على أعتاب الستين أو قد تخطاها بعتبتين، بعد أن نثر أحلى وأجمل سنين عمره لأكثر من 25 أو 30 عاما في خدمة وطنه، ويخرج بعدها مسنّا يطرق أبواب الشيخوخة، هؤلاء لهم حق معنوي وأدبي ومالي أيضا على الدولة.
هؤلاء يجب أن تقوم الحكومة بإعادة النظر في رواتبهم من جديد وإعادة تقييمها ودراستها، بل على المجلس أيضا أن يقوم بدراسة حالة المرتبات التي يحصل عليها المتقاعدون الكويتيون إذ أنها لا تتناسب أبدا مع حالة الغلاء العامة للبلد، ويجب أن يتم وضع معايير محددة لزيادة رواتبهم بما يتواءم مع متغيرات الحياة، فليس لأغلبهم سوى راتبهم الذي لا يزيد ولا ينقص، راتب كما ذكرت لا يتبقى منه سوى بضع عشرات لا تكفي حتى لأغراض الجمعية.
هل فكرت الحكومة في أن تعمل مسحا عشوائيا على هؤلاء المتقاعدين؟ طبعا لا لم تفكر ولن تفكر، لأنها ترى أن هؤلاء المتقاعدين قد تقاضوا حقوقهم كاملة غير منقوصة، لأن حكومتنا وكل الحكومات العربية للأسف تتعامل مع المتقاعدين وفق منطوق «أجر مقابل عمل» والحقيقة أن السنين التي يقضيها الموظف في العمل والتي لا تقل عن ربع قرن من الزمان لا تقدر بثمن، والمسألة ليست في منحه مكافأة نهاية خدمة بعشرين أو ثلاثين أو حتى خمسين ألفا وراتبا تقاعديا هو نصف راتبه وكأن الدولة تمنّ عليه، لا بل على العكس، المتقاعد هو صاحب المنة على الحكومة، وإن كانت لا منة له على بلده بمفهوم شامل، ولكن أعني إن كان التقييم تقييما ماديا فالمتقاعد هو صاحب الفضل لا الحكومة وليس الجهات التي تصرف راتبه التقاعدي.
المتقاعدون يصنفون على أنهم مواطنون درجة أولى في البلدان الغربية، ويتم تقديرهم بشكل كبير خاصة في الدوائر الحكومية بل حتى شركات الخدمات الخاصة تميزهم، واذكر أنه عندما سافرت إلى واشنطن وجدت تذاكر المتاحف العامة والخاصة تمنح خصما 50% للطلبة.. والمتقاعدين.
عندنا المتقاعد لا يحصل على هذه الامتيازات، وأرجو وكما ذكرت أن تبادر الحكومة للبدء في عملية تقييم واسعة لرواتب المتقاعدين في جميع القطاعات وأن تنصفهم... ماديا.
من طرائف التناقض الحكومي تجاه المتقاعدين أو بالأصح فكرة التقاعد بشكل عام، فقد خرجت الحكومة عام 2001 بقانون دعم رواتب المتقاعدين، وخرجت وزارة المالية يومها تقول ان زيادة رواتب المتقاعدين ستكلف الدولة أكثر من 500 مليون دينار، وأكدت يومها التأمينات الاجتماعية أنه يجب أن يتم رفع سن التقاعد في البلد بحجة «الاستفادة من الخبرات البشرية»، والحكومة اليوم ترى بتقاعد من أمضى 30 عاما في منصب قيادي هو لمنح «الطاقات الشابة والدماء الجديدة فرصة»، صحيح أنها «حكومة وبكيفها» ولكن يجب ألا يصل التناقض إلى هذا الحد الصارخ، مرة تريد «تفنيش» الناس بحجة الدماء الشابة ومرة تريدهم أن يقضوا أطول فترة مدة ممكنة إلى درجة أن التأمينات قدمت دراسة عام 2002 لرفع سن تقاعد المرأة إلى 55 عاما.
[email protected]