ذعار الرشيدي
توطئة:
أعتذر في البداية لاضطراري لاستخدام مصطلحات «بدو» و«حضر» و«سنة» و«شيعة» والتي لم أقصد منها سوى إيراد صورة أكثر وضوحا لمشهد ضبابي، فلا يوجد في قاموسي لا حضري ولا بدوي ولا سني ولا شيعي أو مسلم ومسيحي، بل الجميع كويتيون متساوون في الحقوق والواجبات ولا أصنف الآخرين سوى بمدى عطائهم لهذا البلد حتى ولو كانوا غير كويتيين من أشقائنا الوافدين، وكانت هذه توطئة لابد منها قبل الشروع في الحديث كتابة عن أمر أصبح الجميع يلوكونه بألسنتهم بحسن نية ربما ولكن حسن النية وحده لا يكفي لتناول أمر خطير كهذا.
بدء:
أجمل تحليل سياسي اجتماعي مبسط بل أعتبره من أكثر التحليلات التي تتناول قضية المناطق الخارجية والداخلية وقصة البدو والحضر والخلاف الكبير هو ما كتبه مشارك اسمه «كويتي. م» في موقع الأمة دوت أورغ بتاريخ 19-6-2006، وتناول فيه السبب الرئيسي لولادة الفرقة في المجتمع الكويتي وظهور مصطلحات الفئات، بعد أن كان المجتمع لحمة واحدة، فتحدث عن السور وخارج السور وتناول صلة القربي بين السنة والشيعة والجيرة بين البدو والحضر وكيف أنه لا يوجد شيء في الكويت اسمه بدو ولا حضر ولا سنة أو شيعة بل يوجد كويتيون فقط بعوائل محددة دون أن تكون الفئة أو الخلفية العائلية أو القبلية سببا للتفرقة، وارجع صاحب التحليل الرائع «كويتي. م» قصة الفرقة بين البدو والحضر والسنة والشيعة وبداياتها إلى قدوم مجاميع جديدة من خارج الحدود وكيف أن تلك المجاميع خلقت لنفسها ثقافات جديدة خاصة بها تختلف اختلافا كليا عن الثقافة الكويتية التي نعرفها ككويتيين، وبدأ الحضر يتحولون إلى أقلية والشيعة إلى طرف والبدو إلى طرف آخر طبقا للمعادلة الجديدة التي فرضت على الكويت بعد ستينيات القرن الماضي. إلى هنا وانتهى تحليل «كويتي.م» الذي قدمته بتصرف مع كامل الاعتذار له فيما لو كنت قد حورت طرحه بطريقة قد لا يحبذها.
ما طرحه «كويتي. م» حقيقة لا يمكن لعاقل أن ينكرها أو يرفضها أو يغمض عينيه ليدعي أنها غير موجودة أو أنها لم تولد وتكبر وتنمو حتى أصبحت أكبر من أبراج الكويت بل وأطول من برج التحرير الذي تستطيع أن تراه على بعد 20 كيلومترا، وهو ما فعلناه بالكويت أننا أصبحنا كطفل أفاق على حريق في غرفته فأغمض عينيه طمعا في أن يكون الأمر مجرد كابوس سينتهي أو يختفي مادام أغمض عينيه رغم أن النيران باقية حتى لو أغمض عينيه وصم أذنيه.
صحيح أن الأمر لم يتحول إلى كارثة أو حريق حتى الآن ولكن إرهاصات الحريق... هي حريق قادم، نعم لابد أن نعترف بأن هناك تغيرا طرأ على المجتمع والمصيبة أنه كلما جاء كاتب كويتي «حضري» وتناول الأمر اتهموه بالفئوية وكأنه أنكر «الهولوكوست» في باريس، رغم انه لم يذكر إلا الواقع، وحتى الكتاب والمثقفون البدو بدأ بعضهم يصدق أن هناك من يستهدفهم من الكتاب والسياسيين الحضر وأنهم محاربون رغم أن الجميع في كفة واحدة، لا أدافع هنا عن البدو ولا أتهم الحضر بل إنه ليس هناك أمر يدعو لاتهام أو الدفاع عن أحد، ولكن هناك حقائق لابد وأن تورد وهو أن بعض الحركات الإسلامية (ولن أقول الحكومة كما يروج البعض) استفادت في بداياتها الاولى من المناطق التي يقطنها البدو لتوسعة رقعتها السياسية في المجتمع ونجحت في ذلك بعد ترويجها لفكرة الداخل والخارج والمحافظ والليبرالي كأوتار نقائض نجحت في عزفها لسنوات مكنتها من الوصول إلى أهدافها بسهولة ولولا ذلك لما كان التمثيل لمعظم تلك الحركات بالحجم الذي كتب لها طوال 35 عاما مضت من عمر البلد الحديث وساهمت الفرقة المناطقية في إشعال هذا الأمر وإذكاء ناره على مدى سنوات وهو أمر جغرافي غير مقصود لا من الحكومة ولا من غيرها، والمفارقة هنا أن مؤسسي الحركات الإسلامية في الكويت هم من الحضر، ولكنهم تعاملوا وفق منظور أممي اشمل من المواطنة فذابت الفوارق بين جميع المنتمين في الحركات الإسلامية تحت مظلة العمل الحزبي وكذلك ذاب مؤيدوهم لذا كانت الحركات الإسلامية أكثر المستفيدين من خلق مسميي «حضر وبدو» لمواجهة الحركة الليبرالية التي كان أغلب رموزها من الحضر، ما سبب صراعا سياسيا انعكس سلبا على المجتمع لنصدق أن كل حضري هو ليبرالي وأن كل بدوي هو محافظ بالضرورة، رغم أن الأمر لا علميا ولا عمليا صحيح ولا توجد به رائحة الصحة.
مشكلة أخرى رئيسية هي أن الحكومات المتعاقبة لم تحاول أن تفعل شيئا (ولن أتهمها بالتسبب في خلق الفرقة) بل إنها لم تفعل شيئا تجاه شق يكبر أمام عينيها يوما بعد يوم ليفرق بين ابناء مجتمع واحد، وكما انها صمتت عن القادمين الجدد ولم تفعل ما من شأنه أن يدخل القادمين الجدد إلى نسيج المجتمع الكويتي، فتكونت كانتونات هنا وأخرى هناك وأصبحت لدينا خارجية وداخلية وبدو وحضر وسنة وشيعة وزاد من الأمر الحوادث السياسية الإقليمية المحيطة كالحرب العراقية الإيرانية، وطبعا مع غياب عدالة التوزيع والتنمية نما في داخل تلك المجاميع الرغبة في التقوقع على نفسها والانضواء تحت لواء القبيلة أو المذهب أو الفئة لاستعادة ما ترى أنها فقدته للحصول على حقوقها، فظهرت المحاصصة الحكومية في المناصب الوزارية كتتويج لما وصلت إليه حال البلد فهناك حقائب محددة للحضر وأخرى للشيعة وغيرها للبدو ومن قبائل محددة وبطبيعة الحال هناك حقيبة للاخوان وأخرى للسلف، والجميع يعلم أنه لم يعطل التنمية سوى هذه المحاصصة وليس أمرا آخر، فالمجلس براء، وأما دعاة «البدو خط أحمر» فليستريحوا ويريحوا ويغيروا نبرتهم إلى الوطن وكذلك بعض من الكتاب الحضر الذين وجدوا في الأمر فرصة للدفاع عن هجوم لم يحصل أصلا وأن يلتفت الجميع للوطن والوطن فقط، على المرشحين الصادقين مع أنفسهم قبل أن يصدقوا مع الآخرين أن يطلقوا دعواتهم لرفض أي حكومة محاصصة قادمة فمن هنا ومن هنا فقط بوابة حلول جميع مشكلاتنا السياسية، فلن ينطلق قطار التنمية إلا بعد غلق باب المحاصصة نهائيا.
خاتمة:
لا يوجد شيء اسمه بدوي في الكويت، ولا يوجد شيء اسمه حضري، هناك كويتي أما هذه الفئوية التي تعجب البعض ويجد في «دوزنة» أوتارها متعة طفولية فليست أكثر من نبت شيطاني هناك من يرفض اقتلاعه لأنه يستفيد منه بشكل أو بآخر.