ذعار الرشيدي
في كل بلد من بلدان العالم بضعة آلاف يعتقدون أنهم يشكلون الجذر الرئيسي للبلد الذي يعيشون فيه، بينما يرون مئات الآلاف من شركائهم في الوطن أنهم ليسوا سوى أوراق أغصان قابلة للسقوط من وجهة نظرهم والتي لا تستند إلا على نفس عنصري بغيض تؤججه نار الحسد بحطب الكراهية الذي يقوم على جمعه قلة قليلة من ذلك الجذر.
هؤلاء يعتقدون أن لهم حقا في تنفس هواء البلد أكثر من غيرهم وكأن تركيب ذرات هواء الوطن لم تمزج كيميائيا إلا على قدر حويصلات رئاتهم التي لا يملؤها سوى نيكوتين الكراهية لكل ما هو قادم، وأن أي شهيق يتنفسه الآخر كأنه يسرقه من رصيد هواء حويصلاتهم.
يرمون الآخر بالتخلف ويعتقدون أن هالات الملائكية لا ترتفع إلا فوق رؤوسهم بينما يرون الآخر بقرنين وشوكة ثلاثية، وأنهم هم الجانب المضيء المشرق من البلد، وأن الآخر ما هو إلا الغروب المظلم المعتم المليء بالغبار ومنظره يبعث على «الكوس».
صحيح أن الموظف الذي قضى في شركة تجارية 25 عاما ليس كمن جاءها بالأمس، ولكن هذا لا ينطبق على الأوطان، فالأوطان لا تكتب عقودا فردية لمواطنيها بل تعطي الحق في العيش والحياة والحقوق الواجبات وعدد خطوات السير على الأرض، وحجم مكعبات الهواء التي يتنفسها يوميا بالتساوي، فالمواطنون سواسية في الحقوق والواجبات وهناك دستور وقع عليه الجميع وبصموا عليه ورضوا به وارتضوه لينظم العلاقات فيما بينهم وبين الوطن أولا وبينهم وبين أنفسهم ثانيا، هنا يتساوى الجميع ولا يخرج من هذه المساواة سوى من يخرق القانون.
حتى تلك المساواة يرفضها حاطبو الكراهية، وكأن الدستور لا يتحدث سوى عنهم، أما البقية الباقية من شركائهم في الوطن فما هم سوى بضعة لاعبين جاءوا في الوقت الضائع من تاريخ البلد لا يحق لهم سوى البقاء على مدرجات الاحتياط حتى لو انتهى موسم الحياة السياسية دون أن «يطقوا كرة».
لم أكن أشأ أن أتحدث عن هذا الموضوع لولا النفس العنصري الذي بدأ البعض ينقله من دائرة الحديث إلى دوائر من الفعل في التصرفات، بل يتصرف على هذا الأساس، ولو كان هذا الشخص الذي تحدث شخصا عاديا من العامة فحديثه «لا يودي ولا يجيب» كلام في الفاضي لا أكثر ولا أقل، أما أن يكون هذا الشخص الذي يتحدث بعنصريته ويمارسها عضوا برلمانيا أو قياديا سياسيا فتلك الكارثة أو شخصا ينوي تمثيل الأمة فتلك كارثة الكوارث.
البلدان لا تموت إلا بالتقوقع على ذاتها، عندما ترفض الانفتاح نحو الآخر القادم، سواء كان مهاجرا أو وافدا جاء يبحث عن عمل، هؤلاء العنصريون الذين يتمتعون بصوت أعلى قليلا من الأكثرية هم سبب تشويه صورتنا نحن الكويتيين في الخارج، فهم ينقلون معهم عنصريتهم إلى الخارج معهم وكأنهم شعب الله المختار المنتقى، هؤلاء القلة هم سبب موجة الحسد التي طغت على كل شيء في حياتنا، وطريقة تعاطيهم مع الآخر أمر مؤذ لأنفسهم قبل أن يؤذي الآخرين.
ولو أن أوباما ولد في الكويت، وحصل على الجنسية الكويتية، وقرر خوض انتخابات مجلس الأمة لما حصل على صوت واحد، لأننا جبلنا على ألا نعترف بالآخر فقط لأننا نعتقد أن الوطن شركة تسير وفق عقود مؤقتة وتفكير وظيفي بسؤال مفاده «من جاء أولا؟»، وهذا التفكير هو ما نمى في داخل كثير منا العودة إلى القبلية والمذهبية والفئوية، شخصيا لا استطيع أن ألوم العائدين إلى المربع الأول من القبيلة أو المذهب أو الفئة حتى حاطبي الكراهية وأجد أنني مضطر لأن ألتمس لهم العذر في تطرفهم اليميني لأن ميزان توزيع الحقوق والواجبات تتسيده المحاصصة ولا يعمل وفق منظور الكفاءة.
متى ما اعتدلت كفة ذلك الميزان سيعود حاطبو الكراهية إلى كهوفهم وتختفي النزعة القبلية ويتمزق رداء الطائفية ويبقى الوطن وحده هو المنهاج الذي يسير عليه الجميع.
ولكن اللوم كل اللوم على من يخرج بهذا النفس أو ذاك مرشحا يريد أن يمثل الأمة جمعاء في البرلمان مستندا إلى فئويته أو قبليته أو طائفته، عندها لن يخرج سوى مجلس يجبر الحكومة من جديد، على أن تعود إلى حل المحاصصة في توزيع المناصب القيادية وهو الحل الذي لن يقود في نهاية الأمر إلا حل لا ربط بعده.