ذعار الرشيدي
أعاني منذ 12 عاما من الصداع النصفي أو ما يعرف بـ «الشقيقة» أو «الماغرين» باللهجة اللبنانية، وقلة من معارفي وأصدقائي يعرفون عن أمر معاناتي من هذا الصداع المزمن الذي أصبح جزءا من شخصيتي كوني تعلمت وعلى مدى أعوام مع رحلتي الطويلة مع هذا الألم الزائر «المتقطع القدوم» كيف أصادقه، فلا أبدي تأثري به لأحد، وأعتبره صديقا ثقيل دم وأنه سيرحل إن عاجلا أو آجلا رغم أنه يأتي في زيارات غير معلنة ودون أي موعد مسبق، وبسبب كثرة زياراته لي تعلمت كيف أتحمل ساعات وفادته على دماغي.
يضرب أحيانا أطنابه في عمق دماغي حتى يفقدني النظر مؤقتا في عيني اليمنى، ويصل بي إلى مرحلة من الألم الذي لا يطاق ولكنني أفضل أن أرد الأوجاع بالصمت حتى يصمت صوت دق عمال ورشة البناء التي يقيمها في دماغي كلما حضر غير مرحب به.
عندما بحت بأمر هذا الألم لأحد أصدقائي نصحني باللجوء إلى أحد المقرئين، اكتفيت بابتسامة تحمل من السخرية ما لا تحمل طائرة بوينغ من الهنود المتجهين إلى مومباي، وهي الابتسامة التي لم تعجب صديقي الناصح قائلا: «أنت لا تؤمن بالدين».
ما أبشع هذه التهمة، تهمة لم يتأخر صاحبي في إطلاقها ولو للحظة، فقط لأنني رفضت وبأدب أسلوب المقرئين أخرجني صاحبي من الملة، صاحبي وهو الذي صليت وراءه وصلى ورائي مئات المرات يخرجني من الملة بسبب ابتسامة فما يا ترى ستكون ردة من لا يعرفني؟! وربما لو زدت على ابتسامتي بكلمتين لأقام دعوى حسبة ضدي وطالب بإقامة الحد علي بعد أن استتاب ثلاثا.
هذا الأمر يكشف لنا إشكالية الفهم القاصر للدين والتي لا يعاني منها صديقي وحده بل يشاركه بها 80% من الكويتيين الذين يفهمون معارضتك لمتدين وكأنك تعارض الدين، ورغم أنني في حديثي أو رفضي للمقرئين لم أرفض الرقية الشرعية بل أرفض أسلوب الرقاة الجدد، ولم أنكر الرقية، لاحظوا المسافة الفاصلة بين رفض أسلوب داعية ورفض الدين، ولكن قصر النظر الكويتي يرى ـ فيما يرى الصاحي والنائم والجالس ـ أن كل من يرفض أسلوب شخص متدين هو بالضرورة رافض للدين الإسلامي، وهذا أمر غير صحيح فالرفض درجات، ورفضي للرقاة الجدد هو رفض لأسلوب عملهم وليس لشخوصهم أو لما يمثلونه أو الدين والعياذ بالله، ولكن كثيرا من الجماعات الإسلامية في الكويت تستغل قصر نظر 80% من الكويتيين لترويج فكرة «إن الرافض للمرشحين المتدينين هو رافض للدين بالضرورة»، وهو أمر خطير جدا خاصة في ظل استغلال البعض للدين في انتخابات سياسية لا تقبل القسمة على اثنين، لا يجوز أن نرفض الليبرالي لمجرد أنه ليبرالي بل نحدد موقفنا منه وفق قدرته على إيصال صوتنا وحمل الأمانة وعطائه السياسي كما لا يجوز أبدا أن نرفض المتدين صاحب اللحية الطويلة فقط لمجرد أننا نقصر لحانا ونطيل ثيابنا فلربما كان أفضل من عشرات السياسيين الذي أمطرونا بوعود لم تنبت ولو حزمة خس على أرض مشهدنا السياسي.
من هذا المنطلق واعتمادا على نسبة قصر النظر التي يعاني منها 80% من الكويتيين بدأ البعض من الدعاة إلى قصر الفهم هجوما شرسا على مقطع بلوتوث ظهرت فيه مرشحة الدائرة الثالثة د.أسيل العوضي تتحدث في نقاش فلسفي أمام طلبتها، هي لم ترفض الدين، بل تحدثت عن أمر اختلف حوله عشرات الفقهاء، وردت بأن المسألة كانت متعلقة بطريقة تدريس لتحفيز الطلبة، ولكن قصر النظر الكويتي المفضل لدى الأغلبية جعل من الأمر قضية ما بعدها قضية ورفعوا شعار «التار ولا العار.. وناولني البندقة يا هريدي»، وما أكثر «الحداقة» في بركة «قصر النظر» الكويتية.