ذعار الرشيدي
أحد الألغاز السياسية الجديدة الذي بدأ يغزو حوارات كتاب السياسة المحليين هذه الأيام على شكل سؤال: «هل انشق فعلا د.محمد البصيري عن حدس بعد قبوله الحقيبة الوزارية؟»، سؤال ما ان تنتهي من وضع علامة استفهامه حتى تفتح أمامك 60 بابا إجابات محتملة بنهايات مفتوحة، وما أن تلقيه في صالون سياسي حتى يكون عرضة لرياح التأويل، كون أن أيا منا لا يملك أي معلومة حقيقية ثابتة حول الموضوع ولا يستطيع أن يطلع على ما يدور في خلجات أنفس كل من الوزير البصيري أو أعضاء المكتب السياسي للحركة، وكل ما نملكه هو الظاهر فقط، فهناك من يذهب بتأويلاته إلى مسح سطح القضية باعتبارها تكتيكا سياسيا لحدس وسبق ان استخدمته مع أكثر من وزير سابق أعلنت بعد توليهم الحقيبة الوزارية أنهم لا يمثلونها، وهناك من يضرب في العمق ويؤكد أن ما يحدث ما هو سوى إبداء ظاهر كبير لإخفاء ما هو أعظم منه، وآخرون يكتفون بإغلاق باب النقاش بشطر «ستبدي لك الأيام ما كنت جاهلا» وهو شطر لا يغني ولا يسمن من جوع البحث عن إجابة شافية لما يحدث في واحدة من أهم الحركات السياسية في الكويت.
وبرأيي أنه وللإجابة عن هذا السؤال لابد أن ندخل بما هو متوافر من معلومات واضحة للعيان بدلا من الدخول في عالم الفرضيات، والمعلومة الأولى تفيد بأن د.محمد البصيري انشق فعلا عن حدس بعد أن عقد المكتب السياسي للحركة اجتماعا بعد عرض الحقيبة عليه، وانتهى الاجتماع إلى التصويت ضد توليه الحقيبة بواقع 9 أصوات رافضة في مقابل 6 أصوات مؤيدة، وانتهى الأمر إلى انشقاق حقيقي تشهده الحركة للمرة الأولى في تاريخها بخروج البصيري رافضا لنتيجة التصويت، متخذا قراره بالمشاركة في الحكومة.
ما تبعه لاحقا وهو بيان الحركة شديد اللهجة الذي تبرأت فيه من البصيري كممثل للحركة وهنا نحن أمام المعلومة الثانية التي تبين عمق الانشقاق الذي ضرب الحركة.
أما المعلومة الأكثر دلالة على عمق الانشقاق فهي ما أعلنه د.عبد اللطيف الصريخ في مقاله الثلاثاء الماضي بجريدة «الراي» وهو ان الحركة أصدرت بيانا تدعو فيه منتسبيها للامتناع عن تهنئة البصيري بالمنصب، ما يعني عزله اجتماعيا عن بقية أفراد الحركة.
هذه المعلومات الثلاثة تدل بما لا يدع مجالا للشك أن الانشقاق في الحركة بلغ أوجه وينبئ بانشطار قريب فيما لو استمر الأمر على ذات الوتيرة ولم يقم حكماء الحركة على رأب الصدع المتعمق، وهو ما سيقود ربما إلى انشقاق تام في نهاية الأمر كمحصلة طبيعية لما يحصل خاصة أن شباب الحركة أنفسهم انقسموا اليوم إلى قسمين الأول مؤيد لقرارات المكتب السياسي ضد البصيري في البراءة منه والامتناع عن التواصل معه اجتماعيا، والثاني يرفض قرار المقاطعة الاجتماعية ويرى أن الحركة أخطأت فيما ذهبت إليه من رفض قبول البصيري للحقيبة وحتى المؤيدون لقرار الحركة في رفع يدهم سياسيا عن البصيري عابوا لهجة بيان البراءة السياسية الذي فيه الكثير من التجني على شخص قدم للحركة الكثير خاصة في منطقة الجهراء ووضع لها قواعد لا يوجد نظير لها في الكويت كلها.
«حدس» شأنها شأن كثير من الحركات السياسية تعاني من انشقاق وخلافات في وجهات نظر ولكن أيا من خلافاتها لم تخرج يوما على الملأ وكانت في مجملها خلافات غير معلنة وتحل بطريقة ودية لم تصل يوما إلى ما وصلت إليه اليوم.
وفيما لو استمرت وتيرة الخلاف والانشقاق فمن غير المستبعد أن تنقسم حدس إلى تيارين سياسيين متوازيين الأول تحت اسم الحركة الدستورية الإسلامية والثاني تحت اسم التجمع الدستوري الإسلامي وهو أمر سبق أن حصل مع السلف وبسبب خلافات أقل حدة.