ذعار الرشيدي
بعيدا عن لعبة التراشق السياسي اليومية وبلاغة شف أسئلة «ها سمعت شقال النائب فلان؟ وشنو رد عليه النائب فلان؟» وبعيدا عن ضاربي الودع السياسي ومحللي «النص كم» والكتاب المؤدلجين حتى نخاعهم المستطيل، هناك على الطرف الآخر من براحة اللعب السياسي التي أعمى عيوننا غبارها برنامج إذاعي جميل يبث على إذاعة مارينا إف أم ظهرا، يبرد على «جبود» المستمعين حرارة الطقسين السياسي والمناخي بموضوعات على الرغم من خفة دمها ودم مقدمي البرنامج إلا أنها تضرب على أوتار قضايا اجتماعية حساسة رغم بساطتها إلا أنها تمس الجميع بلا استثناء.البرنامج الذي يقدمه المذيع المتمكن طلال الياقوت والمذيع خالد الأنصاري يطبق مبدأ الترفيه بالدرجة الأولى، وهو المبدأ الذي لا تعرفه وزارة الإعلام الكويتية، فما لا تعرفه وزارتنا أن الإعلام ليس وعظا ولا هو خطبة اجتماعية ولا هو لقاء ممطوط مع شخصية قيادية لا يعرفها سوى سبعة أنفار، فالإعلام وتحديدا في البرامج الحوارية التفاعلية ترفيهي بالدرجــــة الأولى، وهو ما وضعه مقدمو ومعدو برنامـــج «الديوانـــية» نصب أعينهم، فنجحوا ونجحت معهم المارينا لأنها استهدفت الشباب وتركت عنها مدارس الوعاظ المغلقة.
بعيدا عن السياسية أيضا التي لم يتبق أحد في الكويت إلا تعاطاها حتى أنني اشك أن أم خليل «راعية الباجلا» رأسها وألف سيف إلا تنزل انتخابات 2013، هناك أمور جميلة في الكويت لا نراها لأن هناك أشخاصا حلفوا أيمانا أن يغلقوا بوجوهنا كل باب للتفاؤل حتى لا نرى الكويت إلا كتلة سوداء من التشاؤم، هناك مبدعون قتلتهم البيئة الملوثة بالتشاؤم، وأمطرت عليهم غيوم الإحباط الحمضية وأصابتهم بحروق الملل من كل شيء، حتى أنك إذا سألت شخصا عن أفضل 5 أماكن لديه ويرى أنها يمكن أن يقضي فيها وقتا ممتعا احتار وفكر واستعان بصديق وحذف إجابتين ثم طلب مساعدة الجمهور قبل أن يجيبك عن مكانين وبشق الأنفس، ولكن إن سألته عن 5 أماكن ترى أنها سيئة في الكويت لتحول إلى عبقري وقال لك على الفور عزابية خيطان وعمالة الجليب وزحمة دوار الجهراء الجمعة ومجلس الأمة ومراجعة أي إدارة حكومية أو مراجعة عيادة خارجية في أي مستشفى حكومي والخضوع لفحص أسنان في مركز حكومي على يد طبيب «عليمي».
أنا شخصيا استمتع مع عائلتي بأكثر من مكان فالكويت بعيني وبأعين زوجتي وأبنائي الثلاثة لاتزال جميلة، بل وجميلة جدا، وأتذكر أنني عندما قضيت إجازتي خارج البلاد قبل عامين مع عائلتي قال لي ابني محمد «يبه شنو الشيء اللي سويناه في هالديرة ما نقدر نسويه في الكويت؟»، لم أجب لأنه كان على حق، ففي الكويت الأسواق المكيفة «المولات» والأماكن الترفيهية والفنادق والشاليهات والحدائق والمطاعم التي تضاهي في فخامتها مطاعم أوروبا، حتى أن طبق «باجيلا» من أم خليل بسوق واجف أفضل وأطعم وألذ بالنسبة لي من وافلز شارع واتلرو في بروكسيل.
الكويت لاتزال جميلة ولكن علينا أن نستخدم عيوننا لنراها لا أن نستعير عيون المتشائمين.