ذعار الرشيدي
تماما كما يكتب على شاحنات نقل الوقود «احذر مواد قابلة للاشتعال» أعتقد أن هناك ثمة جملة خفية مكتوبة على ظهر جميع حقائب الوزراء فحواها كالتالي «احذر وزير قابل للاستجواب» وذلك لسبب بسيط هو أن جميع وزاراتنا تزخر بأخطاء إدارية وقانونية ومالية لا تعد ولا تحصى يمكن معها تكوين 30 محور استجواب في 5 ساعات.
يمكنك أن تتصفح تقرير ديوان المحاسبة السنوي وتخرج بـ 35 محور استجواب ونصف لـ 7 وزارات، ويمكنك أن تقوم بمراجعة هيكلية أي وزارة و«أقص ايدي» إن لم تخرج بمحوري استجواب على الأقل وفوقهما «بوسة»، أيضا يمكنك أن تراجع المناقصات التي تنشرها أسبوعيا جريدة «الكويت اليوم» وباستعراض قانوني يمكنك أن تخرج بمحور استجواب واحد لكل وزارة من كل عدد من أعداد جريدتنا الرسمية الزرقاء اللون، أما إن كنت تعرف وكيلا أو وكيلا مساعدا لا يحب الوزير الجديد فهنا يمكنك أن تخرج بـ «خيشة» محاور يمكن أن تتحول إلى 19 استجوابا تقدم أحدها اليوم وتترك الـ 18 الباقية للمستقبل أو تقوم بإحالتها إلى أسئلة برلمانية لزوم تسجيل الحضور النيابي، فالقياديون في الوزارات ممن لا يحبون توجه الوزير الجديد يمكنهم أن يوفروا لك معلومات من نوع «سري للغاية»، وأذكر أن وكيلا مساعدا في إحدى الوزارات اتصل بي قبل أعوام إبان استجواب وزيره وقدم لي معلومات تضعف موقف الوزير المستجوب، وقدم لي الأوراق التي تثبت ما قدمه لي من معلومات وبالفعل تعاملت مع الأمر كصحافي وقمت بنشرها، وكنت أعلم أن الوكيل المساعد سيستفيد لاحقا في حال ساهم النشر في الدفع بموجة إسقاط الوزير أو حتى إحراجه أثناء جلسة الاستجواب وقد حصل هذا الأمر بالفعل، وبعد إسدال ستار الاستجواب باستقالة الوزير، علمت لاحقا أن الوكيل المساعد تنفس الصعداء بعد أن كان الوزير يكتم أنفاس تجاوزاته ولم يكن هدفه من تسريب المعلومات لي إلا التأكيد على إحراج الوزير ليمارس هوايته في التجاوزات.
هناك وكلاء لا يتورعون عن تقديم يد المساعدة لنواب من أجل إحراج الوزراء، بالطبع ذلك لا يبرئ الوزراء من الأخطاء التي ترتكب يوميا في وزاراتهم، ولكنه على الطرف الآخر لا يمنح الوكلاء والوكلاء المساعدين ومن في حكمهم صكوك البراءة عندما يكشفون الأخطاء في وزاراتهم، لأن أهدافهم من الكشف ليست خالصة لوجه الله بل جميعها لأهداف تصب في مصلحتهم.
ما أريد قوله هو ان مصادر الأسئلة البرلمانية في الكويت والتي عادة ما تكون قابلة للتحول و«بغدرة غادر» إلى استجوابات هم قياديون في الحكومة نفسها، وكأن الحكومة تضرب الحكومة، فالنائب ليس شيرلوك هولمز لكي يعرف ويحلل ويكتشف، فكل ما عليه هو أن يصل إلى الكرسي الأخضر ومن ثم تنهال عليه ملفات من النوع الثقيل أغلبها إن لم يكن كلها من قياديين في وزارات الدولة وبعضها خاصة من النوع «السريع الاشتعال» يأتي من متنفذين قادرين على الوصول بطرقهم الخاصة إلى مكامن الأخطاء وكشفها بأيديهم الممدودة في كل دهليز من دهاليز الوزارات.
في النهاية لا يحق لأحد أن يحجر على النائب حقه في استخدام الاستجواب في أي شأن كان، لا أبرئ الوزير ولا أتهم النائب، ولكن شيئا ما يحصل في هذا الاستجواب يثبت أن تداخلات خيوطه لاتزال أكثر من ضبابية رغم وضوح المحاور، وحق النائب في الاستجواب.
ولكن أيا كانت الأسباب وأيا كانت مصادر المحاور أو أهدافها فعلى الوزير أن يصعد المنصة ويرد، وعلى الحكومة أن تسير في الأمر حتى جلسة التصويت بلا انسحابات ولا استقالة أو تدوير.