ذعار الرشيدي
أسهل ما يمكن أن تفعله في هذا البلد أن «تقولب» الآخر بناء على فئته أو مذهبه، فإذا كان بدويا هو الذي تختلف معه فليس لك إلا أن ترميه بتهمة «فداوي» للحكومة وإذا كان حضريا والذين لم تعرف عنهم «الفدونة» فيمكن أن تطلق عليه «مطراش» للحكومة أما إذا كان شيعيا فليس لك إلا أن تخرج عن المصطلحين السابقين وتطلق عليه لقب «مراسل» للحكومة، وهذا الأمر لن يكلفك حتى عناء التفكير لتجد أن لسانك يلهج به لا شعوريا ولا إراديا كون مثل هذه المصطلحات أصبحت جزءا من آلية التفكير المعتمدة كويتيا بل والمصرح باستخدامها دون تدقيق.
فمن السهل تماما كسهولة «شكة الدبوس» أن تقولب أي شخص في الكويت، فالصور النمطية حاضرة حضور الغبار في صيفنا.
والسبب هو أن الحجة مغيبة والمنطق في إجازة طويلة وربما في طريقه لأن يأخذ تقاعدا طبيا بعد أن ثبت أن عجزه يتجاوز الـ 50% ليستحق راتبا تقاعديا مدى حياته وكأنه قرر عدم الحضور لـ «يدق كرت الحضور والانصراف» إلى ساحات عقولنا الكويتية الأصيلة .
الصور النمطية التي نطبعها في اذهاننا أكثر من عدد الصور التي تطبعها جميع معامل «الفوتوفاست» في العالم، هذه الفئة بغيضة وتلك الفئة بخيلة وهذه القبيلة كسولة وتلك العائلة متكبرة وهذه الطائفة متسلقة، ونستقي، للأسف والجمع هنا يشملني شخصيا، الصور بناء على الحكم من خلال تجربة فردية مع شخص واحد من تلك القبيلة أو تلك العائلة أو هذه الطائفة يأخذ بعدها الواحد منا وقد امتلأ رأسه بانطباع شامل القبيلة أو العائلة التي نريد أن نصدر حكمنا للآخرين عنها، ثم ننطلق بعدها بالمسير في جنازة الشتم ضد الآخر بحسن نية أحيانا وبسوء نية في كثير من الأحيان.
عندما يأتي النقاش للحكم على أداء أي من النواب لا ننظر إلى انجازاته أو مواقفه السياسية تجاه أي من القضايا الشعبية أو السياسية العامة، بل إننا لا نراجع حتى نتائج تصويته على أي من تلك القضايا التي طرحت بقانون أو اقتراح ولا نعرف إن كان قد وافق أو رفض أو امتنع أو حتى غاب عن الجلسة يومها، ولأننا تكاسلنا في البحث عن هذا الأمر نقوم بتغييب المنطق ونقول للعقل «اصفط على اليمين» ونلجأ إلى الأحكام السابقة التي نستقيها من صورنا النمطية الحاضرة حضور شمس يوليو ونبدأ بالحكم على النائب الذي يستهدفه تفكيرنا بناء على انتمائه القبلي أو المذهبي أو الطائفي أو العائلي.
نعم نحن نعامل الآخرين وفق قوالب جاهزة لأنها أسهل من أن نقيّم الآخر وفق تعاملنا معه وتجربتنا، وكأننا نرفض أن نحرك عقولنا قيد أنملة لنضع الشخص تحت مجهر التجربة وبدلا من ذلك نفضل أن «نقولبه» طبقا لعرقه.. طائفته.. قبيلته.. عائلته وأحيانا حتى منطقته.
وأرى أن مثل هذه العقلية التي أدمنت تناول الأحكام النمطية السريعة الجاهزة، ستكون أشبه بالجسد الذي أدمن تناول الوجبات السريعة الجاهزة، فترهله وتسد شرايينه وتجعله كتلة من الشحم البشري، وهكذا تفعل الأحكام النمطية المسبقة بعقلية المجتمع فتسد شرايين التواصل بين أفراده ومعها تترهل شحوم الخلاف وتضرب قلبه بكميات من كولسترول الكراهية.
مشكلتنا في الكويت لم تكن يوما في المواطنة فنحن نعرف تماما ككويتيين حقوقنا وواجباتنا ونعرف حدودنا ولكن مشكلتنا الأزلية هي التفكير الطارئ الذي قمنا باستيراده من خارج حدودنا.
وعندما يتساءل البعض ماذا حل بكويت الانفتاح والحرية، يكون الجواب هو أننا لم نقم في الخمسينيات والستينيات والسبعينيات والثمانينيات باستيراد نوعية التفكير الجاهزة المقولبة التي «قلبتنا» من النقيض إلى النقيض، ولإجابة أكثر دقة في تحديد وقت دخول تلك المصطلحات اكتفي برد العالم الفلكي د.صالح العجيري والذي عاصر كويت ما قبل رشة النفط وما بعدها عندما سألته «متى سمعت لأول مرة بتنامي مفردات هذا بدوي وهذا حضري وسني وشيعي؟ فقال: «ما سمعتها إلا تالي.. سمعتها في التسعينات يا وليدي».