ذعار الرشيدي
السؤال الذي طرح نفسه مباشرة بعد جلسة التصويت على طرح الثقة كان كالتالي: «أيهما كان أكثر وطنية من الآخر فريق النواب الذين صوتوا مع طرح الثقة أم الفريق الذي صوت ضد طرح الثقة؟»، بعد أن انتهى التصويت إلى تجديد الثقة بالوزير بـ 30 صوتا ضد طرح الثقة و16 معها وغياب اثنين وامتناع آخرين، ولكي نكون أكثر دقة في إجابة سؤال كهذا، فالوطنية لا علاقة لها بأمر التصويت مع أو ضد طرح الثقة بالوزير، فما حصل استجواب أعقبته جلسة طرح ثقة وكل صوت بما يمليه عليه ضميره، ولا تحتمل الإجابة أكثر من هذا، فلا مجال لقياس مدى الوطنية بتصويت جلسة الأمس، فكل النواب المؤيدين والمعارضين والممتنعين وحتى الغائبين وطنيون ولا مجال لقول غير هذا، فما حصل هو ممارسة برلمانية ديموقراطية وجاءت نتيجتها التي لا تقبل القسمة إلا على نفسها.
وأما من «سيطنطن» اليوم أو غدا باتهامات جاهزة ومعلبة ضد أي من طرفي المعارضة او التأييد فسيظلم نفسه قبل أن يظلم النواب، بل سيظلم وطنه، ويظلم الدستور نفسه الذي نظم العملية ودخلها الجميع وسار وفق قواعدها، تقديم استجواب وجلسة مناقشة للاستجواب وقيل فيها ما قيل، وبعدها توقيع على طرح الثقة أعقبته جلسة التصويت التي انتهت أمس إلى تجديد الثقة بوزير الداخلية.
من سيخرج غدا عن هذه المحاور أعلاه في سير العملية الديموقراطية هو شخصاني 100%، سواء كان يؤيد أو يعارض طرح الثقة بالوزير.
الشخصانية هي اللعب خارج قواعد المتاح دستوريا، وهو للأسف ما يمارسه كثير من الكتاب الصحافيين بحسن نية أحيانا وبسوء نية أحيانا كثيرة، فأغلبهم اعتقد أن الاستجواب ليس أكثر من مباراة «ديربي» لفريقي كرة قدم، وهنا تحولوا من كتاب محللين إلى مجرد جمهور درجة ثالثة يصرخون في وجه حكم المباراة وأحيانا يقذفون حكم الراية بعلب الكولا الفارغة وفي أحيان كثيرة يشتمون مشجعي الفريق الآخر، وفي أحيان أخرى يحطمون كراسي المدرجات لأن فريقهم خسر.
ما حصل بالأمس صفحة يجب أن تطوى وتنتهي وعلى النواب والكتاب المؤيدين للفريقين أن يبدأوا صفحة جديدة وألا يلوكوا بألسنتهم جلسة الأمس بتبريرات من «قبض» ومن «لم يقبض» ويضعوا المبررات والمسوغات للانحياز لفريق ضد آخر وألا يطرحوا التصويت كمقياس للوطنية.
أعلم يقينا أن هناك من يسعى جاهدا لتحويل أي جلسة استجواب أو أي صدام بين المجلس والحكومة إلى مباراة «ديربي» وأن يتحول المواطنون إلى مشجعين من الدرجة الثالثة وينقسموا إلى فريقين متضادين، فتارة يحول الجمهور إلى بدو وحضر وتارة إلى سنة وشيعة وتارة أخرى إلى إسلاميين وليبراليين، ومصيبتنا أن هؤلاء الساعين بالشر وصلوا إلى تأسيس مفهوم للفرقة بين أبناء البلد الواحد من أجل مصالح ضيقة، فدعونا نتعامل مع الأمر بواقعية وننسى الاستجواب وتبعاته وما حصل بين جلستي مناقشة الاستجواب وطرح الثقة ونبدأ صفحة جديدة لنقطع الطريق على الساعين في الشر ضد بلدنا الذين لم يعد يحتمل أكثر مما شهد.