ذعار الرشيدي
15 مايو 1999، على جميع قياديي وزارة الداخلية أن يحفظوا هذا التاريخ جيدا، وعلى جميع ضباط الوزارة أن يحفظوه عن ظهر قلب، وعلى الأفراد المنتسبين إلى وزارة الداخلية من شرطة مرور وحرس وأمن أن يقوموا بأرشفته في ذاكرتهم ويحفظوه كما يحفظون أرقامهم العسكرية.
على ضباط وأفراد مخفر ميناء عبدالله أن يتذكروا هذا التاريخ جيدا لأن رجلا وبسبب خطأ أحد أفرادهم ظلم ظلما تهتز له أركان الأفئدة السليمة، وعلى ضباط وأفراد ومحققي تحقيقات السالمية أن يقلبوه بين حنايا ذاكرتهم علهم يتذكرون أن مسنا بريئا قضى سدس عمره في السجن بسببهم، وعلى مسؤولي وضباط سجن الإبعاد وأفراده أن يجعلوا هذا التاريخ يوما رسميا للظلم في إدارتهم لأنه وفي هذا اليوم من كل عام تمر ذكرى ظلم رجل حاول عبثا أن يبلغهم وعلى مدار 10 سنوات أنه بريء ولكن أحدا منهم لم يتوقف ولو للحظة ليستمع إلى صوته المتهدج بالحزن والقهر.
في 15 مايو 1999 دخل إلى سجن الإبعاد سعودي كان يبلغ من العمر يومها 65 عاما بلا تهمة، ولعشر سنوات كاملة وهو بين جدران سجن الإبعاد ولم توجه إليه تهمة واحدة ولم تتم إحالته للقضاء بل لم يتم إبعاده إلى بلده منذ ذلك التاريخ الأسود وحتى اليوم أو يطلق سراحه، احتفل الرجل ببلوغه الخامسة والسبعين بين جدران السجن المظلمة الباردة الموحشة إلا من الظلم.
قصته كما يرويها بنفسه والتي طالما أراد أن تصل إلى المسؤولين في وزارة الداخلية بعد أن حاول عبثا لعشر سنوات أن يجد ضابطا واحدا يستمع إلى مأساته الإنسانية ولكن أحدا منهم لم يلق له بالا باعتباره مجرد رقم لا يقدم ولا يؤخر بأعداد مساجين الإبعاد، يقول بو محسن وحشرجة الألم تتدحرج بين نبرات صوته: «يا وليدي قمت بتحميل راكب صيني ممن كانوا يعملون في منطقة أم الهيمان وأوقفتنا دورية شرطة، وكان مع الصيني قناني خمر، وتمت إحالتي مع الصيني إلى مخفر أم الهيمان في شهر فبراير من العام 1999 وقضيت في النظارة يومين وبعدها تمت إحالتي إلى تحقيقات السالمية حيث قضيت هناك 40 يوما ولم توجه إلي أي تهمة، ومنها تم ترحيلي إلى سجن الإبعاد ودخلته بتاريخ 15 مايو 1999، ومنذ ذلك اليوم وأنا في سجن الإبعاد بلا أي تهمة ولم أحل إلى القضاء بل لم يستمع أحد لقصتي وها أنذا أطرق باب السادسة والسبعين من عمري وأنا في السجن بلا أي ذنب».
قصة السجين السعودي السبعيني لا يمكن ان يصدقها عقل ولكن هكذا سمعتها منه هو شخصيا، وهكذا تقول جميع الأوراق التي يحملها معه، بل هذا هو ما تقوله أوراق احتجازه الموجودة في مكاتب مسؤولي الإبعاد.
إن إطلاق سراح سجين سجن ليوم واحد بلا تهمة تساوي إعتاق رقبة، فما بالكم كم يساوي إطلاق سراح رجل قضى أكثر من 3500 يوم في سجن الإبعاد بلا تهمة.
يا وزير الداخلية أمامك فرصة الآن لتكسب أجر عتق رقبة رجل مسن سجن بلا ذنب ولايزال حتى لحظة نشر هذا المقال بين جدران سجن الإبعاد.
إلى القائمين على جمعية حقوق الإنسان: أدعوكم لمشاهدة فيلم «اللي بالي بالك» عندما كان اللمبي يلفظ اسم حقوق الإنسان بطريقة مضحكة فمرة يسميها «حروق الإنسان» وتارة يسميها «حموم الإنسان» فاختاروا لجمعيتكم أيا من الاسمين بدلا من اسمها الحالي الذي لا يدل عليها لا من قريب ولا من بعيد وإلا كيف يكون لدينا في الكويت سجين مظلوم من عشر سنوات ولا تعلمون عنه شيئا إلا إذا كانت الجمعية «شغل» وجاهة لا أكثر.